اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة قدس الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢٧ حزيران ٢٠٢٥
بعد أن انتهت المواجهة العسكرية بين إيران و'إسرائيل'، عادت قضية العدوان على غزة لتأخذ وضعها المركزي من جديد.
وربما وجد نتنياهو بيئة أفضل لعقد صفقة في قطاع غزة، خصوصا بعد ارتفاع شعبيته في ضوء العدوان على إيران ومحاولة ضرب مشروعها النووي، والتي تمّ النظر إليها كإنجاز نوعي كبير، وهو ما يوفر له هامشا أوسع للمناورة مع تراجع قدرة اليمين الديني المتطرف للضغط عليه في هذا الملف. وقد ظهرت مؤشرات نقلتها القناة 12 الإسرائيلية عن مسؤولين في الائتلاف الحاكم، ومن الليكود نفسه، تدعو إلى إنهاء الحرب على غزة، لأنهم يرون أنّ 'إسرائيل' تدفع أثمانا أكثر مما تربح.
وعبَّر مقالٌ نشره مؤخرا آفي إشكنازي، الخبير في الشؤون العسكرية في جريدة معاريف، عن أجواء متصاعدة ترغب في إنهاء الحرب، مشيرا إلى أنّ 'إسرائيل' تغرق في مستنقع غزة، وأن البقاء لم يعد مبررا، ويفتقد إلى هدف واضح، مع وجود جيش منهك. وأكدت المعنى نفسه آرئييلا رينغجل هوفمان في مقال نشرته في صحيفة يديعوت أحرونوت. وأشار استطلاع للرأي نشره موقع واللا العبري في 25 حزيران/ يونيو 2025 (بعد انتهاء العدوان على إيران) إلى أنّ 67 في المئة من الجمهور الإسرائيلي يرغبون بإنهاء الحرب على غزة.
يدفع في هذا الاتجاه أن الفرصة التي وفرها ترامب لنتنياهو لخرق الهدنة، ولتجريب حظه في سحق المقاومة، قد تجاوزت ثلاثة أشهر دون تحقيق نتائج ملموسة؛ بل إن استخدام جيش الاحتلال كافة أشكال التوحش في أقصى مداها من قتل وتجويع وتشريد وتدمير، بقدر ما زادت المعاناة الإنسانية للأبرياء في قطاع غزة بقدر ما زادت، في الوقت نفسه، في إظهار الجانب البشع للاحتلال وزيادة عزلته، لدرجة أن حلفاءه الطبيعيين التاريخيين في البلدان الغربية رفضوا هذه الممارسات وأدانوها، وطالبوا بوقف العدوان، مع تحرك عدد منهم باتجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
من ناحية أخرى، فإن ترامب زادت رغبته، في ضوء ضرب برنامج إيران النووي، في تسريع مسار التطبيع والتسوية في المنطقة. وبينما كان يرى أنّ سحق حماس والمقاومة سيسهم في تهيئة الأجواء للتطبيع، إلا أنه أصبح واضحا لديه أن هذا هدف بعيد المنال، وأن إطالة أمد الحرب على غزة لن تسمح له بتسويق مشروعه التطبيعي، ولا بتوسيع 'اتفاقات أبراهام'؛ وأن وقف الحرب والوصول إلى صفقة أصبح أمرا أكثر جدوى، بالإضافة إلى أن سياسته في تخفيض الدعم الأمريكي الخارجي تصبُّ باتجاه عدم إعطاء دولة الاحتلال شيكا مفتوحا دائما من الدعم العسكري والمادي الأمريكي.
ثم إنَّ الآليات البديلة للسيطرة والتحكُّم التي حاول الاحتلال فرضها في قطاع غزة، مثل آلية إيصال المساعدات عن طريق مؤسسة أمريكية 'مؤسسة غزة..'، أو تشجيع العصابات والمافيات (ياسر أبو شباب..) وحمايتها وتوفير الغطاء لها للحلول مكان حماس.. كلها فشلت فشلا ذريعا، وأثبتت عدم جدواها. فقد استخدمت آلية المساعدات في 'هندسة التجويع' وكآلية لإذلال الناس، وتحولت إلى مصائد قتل وموت؛ حيث استشهد على مداخلها في أقل من شهر أكثر من 510 شهداء وجرح نحو 3,800 آخرين. وَوُوجهت هذه الآلية برفض وإدانة عالمية، كما فشلت عصابة أبو شباب وغيرها، وانحسرت ولم تجد لها حاضنة سوى الغطاء الإسرائيلي المبتذل.
أما تصاعد أداء المقاومة وعملياتها النوعية في الآونة الأخيرة، وكان من أبرزها عملية خان يونس التي اعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل سبعة من جنوده وجرح 16 آخرين فيها، فقد أعطى مؤشرا قويا على صلابة المقاومة بعد أكثر من 620 يوما على العدوان على القطاع. وقد ترافق هذا مع التقارير العديدة التي تشير إلى حالة الإنهاك التي يعاني منها الجيش الإسرائيلي، وتوصية الكثير من القادة العسكريين بمن فيهم رؤساء أركان سابقين مثل غادي أيزنكوت، وهيرتسي هاليفي، وإيهود باراك بوقف الحرب.
السلوك الإسرائيلي:
ربما تدفع هذه المعطيات نتنياهو إلى خفض سقف توقعاته من غزة، ومحاولة تفعيل دينامية أكثر انسجاما مع الرغبات الأمريكية ومع حلفائه الغربيين. وربما يتم السعي لتفعيل صيغة معدلة لمقترح ويتكوف، مع محاولة تحسين الشروط الإسرائيلية مقارنة باتفاق الهدنة السابق. وستبقى 'العُقَد' المرتبطة بإنهاء الحرب، والانسحاب الكامل من القطاع، ونزع أسلحة المقاومة، وإخراج حماس من المشهد السياسي الفلسطيني، عناصر ضغط ومساومة وابتزاز حتى اللحظة الأخيرة، وحتى استنفاد الجانب الإسرائيلي أسهمه وسهامه.
سلوك المقاومة:
في المقابل، ليس لدى المقاومة، بعد كل هذه التضحيات، وبعد أن أصبحت تمثل آمال الشعب الفلسطيني وحالة إلهام عالمية، من بدائل سوى الاستمرار في الصمود والمقاومة، ولا يمكنها توقيع اتفاقٍ يكون مكافأة نتنياهو على جرائمه، ولكنها ستلجأ للضغط باتجاه إنزاله عن الشجرة؛ ولذلك من المتوقع أن تسعى حماس وقوى المقاومة إلى:
- تصعيد المقاومة وزيادة تكاليف الاحتلال وتحويله إلى عملية فاشلة تتصاعد خسائرها مع الزمن، وتيئيس الاحتلال من تحقيق أهدافه.
- إفشال الحلول البديلة مثل عصابات أبو شباب وغيرها، وتقوية التماسك المجتمعي.
- إفشال 'هندسة التجويع' وآلية الإذلال المفروضة في نظام المساعدات.
- التصلُّب في الثوابت والمرونة فيما دون ذلك، مع جعل إنهاء الحرب وخروج الاحتلال من القطاع، وتوفير احتياجات الشعب الفلسطيني، وجعل اليوم التالي في قطاع غزة شأنا فلسطينيا داخليا، معالم يتم الاسترشاد بها في أي صفقة قادمة.
* * *
هذا يعني أنّ الفجوة ما زالت قائمة، وأن الوصول إليها قد يأخذ وقتا، وأن الصفقة قد تأخذ شكلا مؤقتا، أو شكلا جزئيا، أو شكلَ التنفيذِ على مراحل، مع وجود احتمالات لنقض الاحتلال لعهوده متى رأى مصلحة في ذلك، أو تفسير الاتفاق كما يحلو له. وهو ما يعني أنّ المقاومة تحتاج إلى مزيد من الضبط للضمانات والشروط وآليات التنفيذ، ومزيد من التدقيق في النصوص، كما يعني إبقاء اليد على الزناد.