اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
كان محمد مشتهى يقف عند تخوم حي الشجاعية شرقي مدينة غزة، يحملق طويلًا نحو الفراغ الذي كان يومًا حيه، قبل أن تبتلعه 'المنطقة الصفراء' التي وضعها جيش الاحتلال الإسرائيلي، بموجب خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لاتفاق وقف إطلاق النار.
لم يكن محمد وحده، فقد تجمع خلفه عشرات من المواطنين الذين أجبرهم جيش الاحتلال، على النزوح مجددًا بعد أن وسعت المنطقة الصفراء شرق مدينة غزة، مقتطعةً كافة المساحة الجغرافية الممتدة من حي الشجاعية إلى حي الشعف، ودافعةً الأهالي غربًا نحو طريق صلاح الدين.
ومنذ دخول وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعيش العائلات التي عادت إلى منازلها المدمرة حالةً من عدم الاستقرار والخوف، بفعل استمرار القصف المدفعي وإطلاق النار من الآليات العسكرية الإسرائيلية في المناطق الشرقية للمدينة.
ونفذ جيش الاحتلال، خلال الأيام الماضية، عمليات تفجير لعربات مفخخة في المناطق الشرقية من حيي التفاح والشجاعية، ما أدى إلى تدمير مساحات واسعة لا يزال يحتلها شرق 'الخط الأصفر'، وتحويل المناطق المحاذية إلى مناطق شديدة الخطورة.
موت متواصل وخوف دائم
يقول مشتهى، وهو يقف على حدود المنطقة المحظورة: 'إحنا مش عارفين نرجع إلى بيوتنا، ولا قادرين نأخذ منها شيء… وين الأمة العربية تشوف وضعنا؟'
ويروي مشتهى لصحيفة 'فلسطين'، لحظات النزوح الأخيرة التي عاشها مع عائلته: 'القصف لم يتوقف… الدبابات تقدمت، والروبوتات المتفجرة فجرت البيوت حولنا. قذيفة نزلت على بعد أمتار من مكان تواجدنا.. والله حسينا الموت فوق رؤوسنا. حملنا أولادنا وطلعنا'.
ويضيف وهو يشير بيده نحو شارع مغطى بالركام: 'رجعنا بعد وقف إطلاق النار يومين بس… كنا بدنا نشوف بيوتنا. بس الاحتلال وسع المنطقة الصفراء وطلعنا من جديد. لا خيام ولا أماكن فاضية… المناطق الغربية لا تتسع لمزيد من السكان'.
على مقربة من المكان، كان علاء سعد ينظر إلى السماء بتوتر شديد، كمن ينتظر شيئًا يسقط من فوق: 'بيقولولنا روحوا غرب… طيب وين؟ ما في وسع… المناطق الغربية امتلأت. مش عارفين نتلقاها من اليهود ولا من الوضع'.
يشير سعد إلى زاوية الطريق التي كانت قد شهدت إطلاق نار: 'قبل شوي ضربوا من 'الكواد كابتر'. الناس كانت ماشية، صارت تجري. بس إحنا صامدين.. يا ريت العالم تشوف كيف عيشين… ننام على الخوف وبنصحى على الخوف'.
صمود على أطراف الموت
ولا يختلف الحال بالنسبة للشاب علاء الوادية، الذي كان قد دخل المنطقة الصفراء لجلب بعض الحاجيات الأساسية، يقول: 'المنطقة خطر بكل معنى الكلمة.. بس فش مكان نروح عليه. الغرب مكدس بالناس، خيام فوق خيام.. اضطررت أرجع لأخذ أغراض البيت… هي كل اللي ضل معنا. المنطقة صارت على خط النار، بس شو نعمل؟ ما في خيار'.
ويضيف الوادية بحزن: 'عدنا بعد وقف إطلاق النار، ورممنا بعض الغرف في منازلنا المدمرة، لكن الاحتلال أعاد السيطرة على المنطقة لنُهجر من جديد.. الواحد يحن إلى بيته… حتى لو الموت محيط به. الشجاعية ليست حيًا… إنها حياة كاملة بالنسبة لنا'.
أبو إياد أبو سكران، في الخمسينيات من العمر، كان يحاول دفع عربة صغيرة محملة ببقايا أثاث منزله: 'المكعب الأصفر محطوط جنب أول منطقة 'الشعف'… يومين وإحنا بننقل بالعفش. زهقنا… مشردين من بيوتنا للمرة العاشرة'.
يغمض أبو سكران عينيه لبرهة، ثم يتابع بصوت متعب: 'اللي بصير حرام. الناس تعبت… والله تعبنا. البرد بيقرص، والليل طويل، والولاد ما إلهم مكان يدفوا فيه'. ثم يلتفت إلى ابنه الذي يجاوره: 'قول للعالم… إحنا مش طالبين شيء. بس خلونا نعيش بأمان بدارنا'.
وارتكبت (إسرائيل) منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 -بدعم أميركي أوروبي- إبادة جماعية في قطاع غزة، شملت قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا واعتقالا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها. وخلفت الإبادة أكثر من 240 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين معظمهم أطفال، فضلا عن الدمار الشامل ومحو معظم مدن القطاع ومناطقه من على الخريطة.

























































