اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
يشكل قرار مجلس الأمن الدولي بشأن قطاع غزة، ولا سيما بند نزع السلاح وإخراج المقاومة من المشهد السياسي، نقطة تحول إستراتيجية يتجاوز أثرها حدود غزة إلى مجمل النظام السياسي الفلسطيني والمعادلات الإقليمية والدولية. فالقرار لا ينص على آليات واضحة للتنفيذ، لكنه يفتح الباب أمام ترتيبات أمنية وسياسية واسعة قد تعاد صياغتها على الأرض بطرق تتجاوز النصوص المكتوبة.
في جوهر القرار ثمة تصور دولي يسعى إلى إعادة تشكيل البيئة الأمنية في غزة بما يضمن نهاية مرحلة المقاومة المسلحة، ويفتح المجال أمام هندسة سياسية جديدة تتضمن دورا لما يسمى 'مجلس السلام' وقوة دولية متعددة الجنسيات. لكن هذا المسار يطرح أسئلة تتعلق بمدى قابلية تنفيذه ميدانيا، وبما يمكن أن ينتج عنه من صدامات وتحولات عميقة في طبيعة الصراع.
يتعامل الفلسطينيون والإسرائيليون مع القرار من منظورين متناقضين: فالفلسطيني يرى فيه تهديدا وجوديا لمعادلة المقاومة، في حين تتعامل (إسرائيل) معه كمنصة لتكريس وقائع ميدانية وشرعنة نفوذها الأمني على أجزاء واسعة من القطاع عبر ذرائع عدم الالتزام الفلسطيني.
نزع السلاح.. البند الأكثر خطورة
الخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الدكتور نعيم الريان يحذر من أن بند نزع السلاح يشكل جوهر المرحلة المقبلة، وهو البند الذي جرى التمهيد له عبر خطاب دولي وإقليمي وفلسطيني رسمي سبق الحرب وخلالها، حتى صار جزءا من لغة المؤتمرات الدولية وبيانات باريس ومداولات الأمم المتحدة.
الخطورة في هذا البند، وفق الريان، تكمن في أنه يضع المقاومة الفلسطينية في خانة 'الخارج عن القانون'، ويجعل وجودها ذاته جريمة يعاقب عليها دوليا ومحليا، ما يعني أن الساحة الفلسطينية تتجه نحو مرحلة تجريم بنيوية للمقاومة، عبر تشريعات وقوانين ودستور فلسطيني جديد يجرم أي نشاط مقاوم أو انتماء أو دعم.
ويعتبر أن بعض تصريحات السلطة الفلسطينية جاءت لتواكب هذا التوجه، إذ أعلنت مرارا ضرورة نزع السلاح ودمج غزة في منظومة سياسية لا مكان فيها لأي فصيل لا يعترف بالتزامات منظمة التحرير. وهذا يفتح الباب أمام مرحلة أمنية مشددة تستهدف المقاومة على نحو رسمي وشرعي.
السلطة، بحسب الريان، تتعهد ضمنيا بأن تكون شريكا في تنفيذ هذا البند، سواء عبر القوة الأمنية التي جرى تدريبها دوليا، أو عبر ترتيبات سياسية جديدة تعكس روح القرار، وهذا الدور قد يضعها في مواجهة مفتوحة مع المجتمع الغزي وتيارات المقاومة.
يخشى الريان من أن القوة الدولية المقترحة ستكون جزءا من عملية ملاحقة المقاومة، وليس قوة لحفظ الأمن فقط. فهو يرى أنها ستتلقى تفويضا واضحا بمواجهة أي وجود مسلح، ما يجعلها طرفا في صراع داخلي قد يجر القطاع إلى مواجهات متعددة الأطراف.
هذا الواقع يعني أن المقاومة قد تدفع إلى العمل السري تحت الأرض، ما يعيد إنتاج نماذج صراع أمني سبق أن عرفتها المنطقة حين تدفع حركات المقاومة إلى الظل وتتحول إلى شبكات غير مرئية.
السيناريو الأسوأ
يلفت الريان في حديثه لـ 'فلسطين أون لاين' إلى أن القرارات الدولية قد تنتج حالة تعبئة ضد المقاومة داخل المجتمع، من خلال حملات شيطنة وإعلام وتحريض سياسي قد تقود إلى انقسام اجتماعي حاد، ومما يزيد الخطورة أن بعض الجماعات المسلحة التي أنشأها الاحتلال داخل غزة قد تستغل المناخ الجديد لتعميق الفوضى والانقسام.
هذا السيناريو يفتح الباب أمام صدام فلسطيني–فلسطيني، بين السلطة والمقاومة، وبين مجموعات مسلحة مختلفة.
الريان يحذر من أن محاولة تحميل المقاومة مسؤولية ما جرى في غزة، عبر خطاب مقارنات تتعلق بالنازية أو الإرهاب، ستعيد صياغة الرواية التاريخية للصراع وتبرئ الاحتلال من جرائمه. وهنا تكمن خطورة المرحلة، عبر تحويل الضحية إلى متهم وإعادة إنتاج شرعية الاحتلال.
منصة تذرع
الخبير في الشؤون الإسرائيلية الدكتور محمد هلسة، يرى أن (إسرائيل) تتعامل مع الواقع الجديد بصفته فرصة إستراتيجية لتثبيت مكاسب ميدانية. فالقرار الدولي ليس بالنسبة لها التزاما بالانسحاب أو تغيير السلوك، بل منصة للتذرع بعدم التزام الفلسطينيين ببنوده، خصوصا بند نزع السلاح، بما يمنحها مبررا للاستمرار في السيطرة على مساحات واسعة من غزة.
ويقول هلسة لـ 'فلسطين أون لاين'، تدرك (إسرائيل) أن الدول الراغبة في المشاركة بالقوة الدولية لن تقبل الاصطدام بقوى المقاومة الفلسطينية، وبالتالي لن تنفذ جوهر بند نزع السلاح. وهذا الفشل المتوقع هو ما تراهن عليه (إسرائيل) لادعاء أن 'الانسحاب مستحيل' وأن 'الظروف الأمنية لم تكتمل'.
الرهان على الفشل الدولي
ويشير الخبير في الشؤون الإسرائيلية، إلى أن (إسرائيل) تعتمد على استراتيجية تحويل المؤقت إلى دائم. فهي تعلم أن القوة الدولية ستصطدم بعقبات ميدانية وسياسية، ما يجعل البيئة الأمنية غير مستقرة، وهو ما تستخدمه ذريعة لتبرير استمرار وجودها في مناطق واسعة من القطاع تحت عنوان 'حماية أمنها'.
كما تراهن على أن التفسيرات المختلفة للقرار ستؤدي إلى إطالة أمد النقاش الدولي، ما يسمح لها بفرض وقائع جديدة، سواء عبر توسيع مناطق السيطرة أو عبر هندسة سياسية داخل غزة تخدم مصالحها.
ثلاثة سيناريوهات إسرائيلية
يقدم هلسة ثلاثة سيناريوهات رئيسة للتعامل مع القرار. الأول: الاتكاء على القوة الدولية، لكنه غير مرغوب إسرائيليا لأنه يقلل من قدرة الاحتلال على التحكم المباشر بالمشهد الميداني.
السيناريو الثاني: العودة للحرب كما كانت بكثافة نارية واسعة، وهو سيناريو غير ممكن حاليا نظرا للضغوط الدولية وتكاليفه العسكرية والسياسية.
السيناريو الثالث وهو الأكثر قبولا من الاحتلال، هو تحويل نصف غزة إلى شريط أمني واسع تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي المباشر، تنشأ فيه إدارة محلية موالية، وتعاد فيه عملية الإعمار بصورة انتقائية، بينما يترك الجزء الآخر تحت إدارة فلسطينية محاصرة بلا إعمار.
هذا السيناريو يمثل 'حلا هجينا' يحافظ على سيطرة الاحتلال ويمنع قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.
مرحلة ما بعد القرار
مطمئنة (إسرائيل)، وفق هلسة، إلى أن القرار لن يؤدي إلى قيام دولة فلسطينية، لأن الربط الجغرافي بين غزة والضفة دمر فعليا، ولأن عملية التفاوض المستقبلية ستكون بقيادة أميركية وبشروط إسرائيلية مسبقة.
ويكمل، الضفة الغربية تشهد ضما فعليا متدرجا، وتهجيرا مثل غزة تحت ضغط الواقع، بينما تستخدم ترتيبات القرار لتكريس هذه الوقائع وليس لتغييرها.
ويقول هلسة، (إسرائيل) تحاول صياغة صورة جديدة للحرب، دون الحاجة لعودة شاملة للعدوان، عبر ادعاء أن الطرف الفلسطيني لم يلتزم ببنود نزع السلاح.
يتفق الريان وهلسة، على أن قرار مجلس الأمن بصيغته الحالية لا يفتح بابا لحل سياسي مستقر، بل ينذر بمرحلة شديدة التعقيد، قد تشهد صداما داخليا فلسطينيا، وتثبيتا لواقع الاحتلال داخل غزة، وإعادة إنتاج للصراع بصورة أكثر تعقيدا. فبينما ترى المقاومة في نزع السلاح محاولة لإنهائها وجوديا، ترى (إسرائيل) في فشل نزع السلاح فرصة لتوسيع سيطرتها.
وبين هذين المنظورين تقف الساحة الفلسطينية أمام مفترق تاريخي يتطلب يقظة سياسية وبناء استراتيجية مقاومة جديدة قادرة على الصمود أمام الترتيبات الدولية المقبلة.

























































