اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة سوا الإخبارية
نشر بتاريخ: ١٤ تموز ٢٠٢٥
هنا في شوارع غزة المدمرة، أمال تعلقت داخل قلوب الآلاف من طلبة الثانوية العامة في القطاع، نازحون، متعبون، أرهقتهم الحرب بكل الأشكال، لكنهم رغم كل الظروف متعلقين بأحلامهم في تقديم امتحانات ' التوجيهي ' ليلتحقوا بالجامعات، ويحقق كل فرد منهم ما يخطط له.
على غرار صوت الانفجارات التي لا تهدأ هنا أو هناك، يراجع مهند الأنقح (19 عاما) طالب في الثانوية العامة دروسه في مكان نزوحه، بعد أن أجبر عدة مرات على ترك ما تبقى من منزلهم وخيامهم شمال قطاع غزة.
يقول مهند: ' أجهز نفسي منذ عاميين على امتحانات التوجيهي في ظروف صعبة للغاية، ففي المرة الأولى كنا نازحين في منطقة دير البلح وسط القطاع وكانت الاجواء متوترة جدا يتخللها القصف المتكرر بالقرب من مكان النزوح، غير أن قلة الطعام والوضع الانساني العام لم يكن سهلا بالنسبة لي كطالب يدرس لامتحاناته '.
يتابع: ' عندما عدنا الى شمال غزة بعد وقف إطلاق النار الاول لم نجد بيتنا فقد تحول الى ركام كان هذا تحديا جديدا لي كطالب توجيهي، لكن رغم كل ما مررت به أصررت على إكمال تجهيزي ودراستي على أمل تقديم الامتحانات في أي لحظة وتحقيق ما تمنيته في دخولي الجامعة تخصص الهندسة فهو حلم الطفولة ولن نيأس ابدا طالما حيينا '.
رغم كل الظروف متعلقين بالحلم:
وينتظر طلبة الثانوية العامة في غزة منذ عامان عقد الامتحانات والتقدم من مرحلة التوجيهي الى مرحلة الجامعة، أمليين أن تقف الحرب والاستنزاف العقلي والزمني المتواصل على القطاع، وتكرار تأجيل موعد اجراء هذه الامتحانات.
تحكي لنا تسنيم زايد (18 عاما) طالبة في الثانوية العامة عن وجعها حينما تشاهد طلبة الثانوية العامة يتجهزون ويقدمون الامتحانات وهنا في غزة لا يستطيعون ذلك.
تقول تسنيم:' كنت احلم كثيرا أن انتهي من مرحلة التوجيهي وادخل كلية الطب كما احببت، نزحنا أكثر من مرة وفي كل مرحلة من النزوح أحمل كتبي أكثر من ان احمل اغراضي وطعامي '.
تضيف: ' في كل العالم طالب الثانوية متوفر له كل انواع الرفاهية والاشياء يلي تساعده في الدراسة ويستطيع ان يصل للكثير من المراحل التي يتمناها ويقدم الثانوية العامة بكل بساطة، أما في غزة للأسف كل الظروف عكسية وقهرية وفي كل مرة يتم تأجيل امتحانات التوجيهي، لكن رغم كل الظروف والقهر والحرمان وما نعيش لازال للحلم بقية ويجب الاستمرار بكل قوة للدراسة وتحقيق الطموح '.
أما الطالبة سها السلطان (١٨ عاما) في الثانوية العامة ٢٠٠٧ بعيدا عن التشريد والمعاناة لعاميين وخطر الحياة اليومي فإنها لم تتوقف عن دراستها ومواصلتها للمذاكرة يوميا وكأنها ستقدم الاختبارات في موعدها المحدد.
تقول سها: ' ما يزيد الألم في قلبي حينما أشاهد شقنا الاخر من الوطن في الضفة الغربية يستعدون ويذهبون للامتحانات في حين أننا هنا داخل القطاع نحرم للمرة الثانية من تقديمها '.
وتضيف: ' أنا مصممة على النجاح واكمال دراستي تحديا للواقع الصعب وتحقيقا لحلمي في دخول الجامعة وكلي ثقة أننا سنقدم التوجيهي في أقرب فرصة بإذن الله '.
وطالبت السلطان بضرورة تدخل التربية والتعليم الفلسطيني لإيجاد حل لهذه المشكلة والمقدرة على اجراء امتحانات الثانوية العامة في قطاع غزة ووقف المعاناة المستمرة لطلاب التوجيهي مع ضرورة واهمية ايقاف الحرب الاسرائيلية التي اخدت كل اشكال الحياة في القطاع المنكوب. فقدت كل شيء لكن لن أيأس:
أما هديل اليازجي (18 عاما) طالبة في الثانوية العامة اعتادت التفوق، كانت طالبة لامعة في مدرستها، تبدل حالها كلياً، فقدت المنزل ومستقبلها وكانت متحمسة لأن تنتهي الحرب مع إعلان التهدئة في 19 يناير/ كانون الثاني الماضي، لكن كل شيء تغير.
تقول هديل:' دائما اواجه صعوبة في الدراسة داخل الخيمة، وسط ضجيج الأطفال، وانعدام الخصوصية، ونقص الكهرباء والماء، واستمرار أصوات القصف التي لا تهدأ، مع ذلك أرى بصيصا من الامل أن كل ما نعيشه سوف ينتهي قريبا وسنتقدم بامتحانات التوجيهي وبعدها نحقق احلامنا ونلتحق بالجامعة '.
تضيف:' كنت متحمسة جداً، وتحديت كل الظروف لمواصلة الدراسة رغم القصف والدمار الذي طال منزلنا، كنت أريد دراسة الهندسة في الجامعة، أعلم ان التحدي صعب جدا علينا لكننا سنكون ايقونة من الصبر والمحاولة والوصول '.
تتابع:' سبق أن حرم الطلبة العام الماضي في غزة من تقديم الاختبارات جراء حرب الإبادة المستمرة وعدم تمكن وزارة التربية والتعليم من توفير الإمكانات اللازمة لتقديمها، وها قد أتى هذا العام أيضا وتم تأجيل الامتحانات مرة أخرى، أتمنى لو تستطيع الوزارة أن تجد لنا الحل قريبا ونتمكن من المضي في امتحانات الثانوية العامة '.
استمرار في المحاولة لإيجاد حل
ووفق تصريح لصادق الخضور الناطق باسم وزارة التربية والتعليم فإن قرار تأجيل امتحانات الثانوية العامة ٢٠٠٦ _ ٢٠٠٧ اتخذ نتيجة تعقيدات الوضع الامني والخطورة على حياة الطلبة في ظل استمرار الاستهدافات من قبل الاحتلال الاسرائيلي وبخاصة للمدارس ومراكز الايواء وصعوبة أن يتم تجميع الطلبة في مكان واحد تحت وطأة القصف.
وأشار أيضا الى صعوبة عقد الامتحانات إلكترونيا كخيار تم طرحه، نتيجة عدم توفر اجهزة ايباد اضافة الى عدم توفير قرطاسية واثاث لعقد الامتحانات الورقية وفق النظام المعتاد بسبب الاضرار الكبيرة التي لحقت بالمدارس نتيجة القصف المستمر وكذلك لاستخدامها كمراكز للإيواء.
ويتابع كان من المفترض أن يكون لدينا نحو ٧٨ ألف طالب خلال العاميين، لكن استشهد منهم قرابة ٤ الاف وغادر ٤ الاف اخرين القطاع ليبقى نحو ٧٠ ألف طالب لم يقدموا الامتحانات حتى الأن.
وختم الخضور حديثه بالتأكيد على عزم الوزارة عقد امتحانات الثانوية العامة في القطاع حال توقف العدوان أيآ كان السيناريو أو الطريقة الممكنة لتنفيذها، مشيرآ أن الوزارة كانت قد اعدت خطة متكاملة لعقد الامتحانات شملت برمجيات وتجهيزات مراكز للامتحانات وكان الموعد المقرر في ابريل / نيسان الماضي لكن العدوان تجدد في مارس ما جعل كل الترتيبات تتوقف.
ما يحدث في غزة ليس مجرد حرمان من تقديم الامتحان، بل نزعٌ قسريّ لحقّ طبيعي: أن تحلم، أن تتعلّم، أن تنال فرصة متكافئة، ورغم كل الدمار، يبقى التوجيهي رمزًا للمقاومة لا كورقة أسئلة، بل كورقة هوية تخص كل طالب في غزة.
الاستمرار في تقديم امتحانات التوجيهي في الضفة الغربية شهادة على صلابة الإرادة الفلسطينية، لكنه في الوقت ذاته دعوة صريحة لإعادة الاعتبار للحق المسلوب لطلبة غزة، فالحلم لا يغيب، حتى إن غاب الامتحان، لكنه بحاجة إلى من يحميه، ويؤمن بأن التعليم ليس امتيازًا، بل حقّ لا يسقط بالحرب.
ملاحظة : هذا مخرج عملي لدورة ' الصحفيات والقيادة الإعلامية' التي نفذتها مؤسسة بيت الصحافة في الفترة من 22 إلى 30 يونيو 2025