اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
لا تنتهي الحرب في قطاع غزة بانتهاء القصف أو صمت الطائرات، فثمة حرب أخرى تواصل حصد أرواح المدنيين بصمت، هي حرب الذخائر غير المنفجرة التي تركها جيش الاحتلال الإسرائيلي خلفه في قلب الأحياء السكنية والطرقات والبيوت المدمرة.
وخلال الأسابيع الأخيرة، تكررت حوادث انفجار أجسام مشبوهة يعثر عليها السكان بين الأنقاض، كان آخرها إصابة طفلين في حي النصر بمدينة غزة، بعد أن انفجر جسم متفجر أثناء عبثهما به، الأمر الذي أدى إلى إصابات وصفت إحداها بالخطيرة، في مشهد يلخص حقيقة الخطر الذي يهدد حياة عشرات الآلاف ممن عادوا إلى بيوتهم المدمرة.
إمكانات منهكة
وفي السياق، قال الناطق باسم الدفاع المدني في غزة، الرائد محمود بصل، إن حجم الذخائر غير المنفجرة المنتشرة في القطاع 'ضخم للغاية'، مشيرًا إلى أن بعض المنظمات الدولية قدرت وجود نحو 71,000 طن من المتفجرات التي لم يتم التعامل معها بعد.
وأوضح بصل لصحيفة 'فلسطين'، أن نوعية الأسلحة المستخدمة في هذه الحرب تختلف عن الحروب السابقة، حيث استخدم الاحتلال أنواعًا جديدة من الصواريخ، بعضها عبارة عن كتل من الأجهزة الإلكترونية، ما يشير إلى اعتمادها على تكنولوجيا حديثة لا يملك الخبراء المحليون معرفة كافية للتعامل معها.
وأضاف: 'هناك صواريخ شديدة الانفجار يزيد وزن الواحد منها عن طنين تقريبًا، ويتجاوز طوله مترين، إضافة إلى استخدام عربات مفخخة تحمل مواد سائلة شديدة الانفجار، وطائرات مسيرة ألقت قنابل كبيرة الحجم على المنازل والشوارع، وكثير منها لم ينفجر.' وأكد بصل وجود ألغام ومواد 'C4' استخدمت لنسف المنازل، إضافة إلى عبوات ومواد متفجرة زرعت في الطرق والمباني والأحياء السكنية.
وأشار إلى أن الدفاع المدني، في ظل هذه الظروف، لا يستطيع سوى وضع إشارات تحذيرية والتواصل مع وحدات هندسة المتفجرات، لكن الأخيرة فقدت نحو 90% من أفرادها شهداء خلال الحرب، فضلًا عن تدمير معظم معداتها.
وتمم بأسى: 'نحن نطلق إرشادات، لكن ماذا تقول لعائلة لا تجد مكانًا تسكن فيه سوى مبنى مدمر بداخله صاروخ؟ كل البدائل في غزة خطيرة. الحياة هنا أصبحت مليئة بالمخاطر، والخيارات جميعها شبه مستحيلة'.
جهود دولية محدودة
من جانبه، يقول خبير إزالة الذخائر غير المنفجرة في منظمة Humanity & Inclusion، نيك أور إن فريقه عمل في قطاع غزة منذ شهر مارس/آذار الماضي، ضمن جهود إزالة مخلفات الحرب، موضحًا أن المنظمة بدأت عملياتها في رفح قبل الانتقال لاحقًا إلى منطقة خان يونس، حيث اتضح – بحسب وصفه – أن مستوى التلوث بالذخائر غير المنفجرة في هذه المنطقة 'كبير للغاية'، على نحو لم يشهده في أي مكان آخر خلال العشرين عاماً الماضية.
وأوضح أور في مقابلة متلفزة تابعتها 'فلسطين'، أن الفريق اضطر إلى تحديد أولويات للعمل نظرًا لضخامة المخاطر، فجرى التركيز أولًا على البنى التحتية الحساسة مثل المستشفيات، والمراكز الصحية، ومحطات تحلية المياه، والمخابز، باعتبارها منشآت حيوية لا يمكن تأجيل تأمينها، وبعد معالجة هذه المواقع، يمكن الانتقال تدريجيًا إلى المناطق السكنية لإزالة الذخائر غير المنفجرة المنتشرة فيها.
وأضاف أن قطاع غزة صغير مساحيًا، لكنه يحتوي على طبقات متعددة من التلوث نتيجة انهيار المباني وتداخل الأنقاض مع الذخائر، ما يجعل الوصول إلى المتفجرات وإزالتها مهمة شديدة الصعوبة. وأشار إلى أنه 'كلما توجهنا إلى منطقة لإزالة الذخائر، يكون علينا أولًا إخلاء السكان وتطويق المكان، ولكن كيف يمكن القيام بذلك في مناطق مكتظة؟ الأمر معقد للغاية'.
وفيما يتعلق بالتصاريح والمعدات اللازمة للعمل، أكد أور أن المنظمة تحتاج إلى معدات سلامة متخصصة وتدريب تقني عالٍ للتعامل مع المواد المتفجرة، غير أن إدخال هذه المعدات إلى غزة يواجه قيودًا إسرائيلية كبيرة، وهو ما يعقد مهمة إزالة الذخائر بشكل إضافي.
وعن المدى الزمني المتوقع لإتمام عمليات التطهير، أشار الخبير الدولي بتجربة أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، حيث استمرت عمليات إزالة الألغام لعقود طويلة بالرغم من توفر الموارد والإمكانيات. وقال: 'نحن نحيي الذكرى الـ80 لنهاية الحرب العالمية الثانية، وما زالت بعض مناطق أوروبا تُطهر حتى اليوم من مخلفات الحرب. في غزة، ومع هذا الحجم من الذخائر والدمار، فإن إزالة المتفجرات قد تستغرق من 20 إلى 30 عامًا على الأقل'.
وشدد نيك أور على أن إزالة الذخائر في غزة ضرورة إنسانية ملحة لإعادة الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن ذلك سيتطلب وقتًا طويلًا وإمكانيات ضخمة وتنسيقًا دوليًا واسعًا.
وكان رئيس بعثة دائرة الأمم المتحدة المتعلقة بالألغام لوك إيرفينغ حذر من أن مخاطر الذخائر غير المنفجرة في قطاع غزة تزداد بعد وقف إطلاق النار، مؤكداً أن هذه الذخائر تشكل تهديدًا مباشرًا للسكان، وأن عمليات إزالتها ستحتاج وقتًا طويلاً، لكنها، 'عمل ضروري لإعادة الحياة تدريجيًا إلى طبيعتها في القطاع الخارج من حرب مدمرة استمرت عامين'.
وفي تقرير سابق صدر في يناير/كانون الثاني، قدّرت الأمم المتحدة أن ما بين 5% إلى 10% من الذخائر التي أُطلقت على قطاع غزة لم تنفجر، وهو ما يعني وجود آلاف الأجسام المتفجرة المخبأة بين المنازل المدمرة والطرقات والأراضي الزراعية.
أما مركز غزة لحقوق الإنسان، فأكد أن ترك الاحتلال لهذه المخلفات الحربية غير المنفجرة تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وخصوصًا اتفاقيات جنيف، التي تلزم قوة الاحتلال باتخاذ جميع التدابير الممكنة لحماية المدنيين وضمان إزالة مخلفات الحرب من المناطق المأهولة، والإفصاح عن مواقع الذخائر والقنابل التي لم تنفجر.
وطالب المركز في بيان، أول من أمس، بتشكيل لجان دولية متخصصة تحت إشراف الأمم المتحدة لإجراء مسح شامل وسريع لجميع مناطق قطاع غزة لتحديد مواقع المخلفات غير المنفجرة، داعيًا إلى إرسال فرق هندسية دولية مزودة بالمعدات والخبرات اللازمة لإزالة هذه المخلفات وتأمين المناطق المأهولة.
ووفق بيانات للأمم المتحدة فإن أكثر من 53 فلسطينيًا استشهدوا وأصيب المئات جراء مخلفات حرب الإبادة التي استمرت عامين في غزة، في حين تعتقد منظمات إغاثة أن العدد الحقيقي قد يكون أعلى بكثير.







 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 























































 
  
  
  
  
  
  
  
  
  
 