اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢ أيلول ٢٠٢٥
الكاتب:
احمد زكي العريدي
تشهد الساحة السياسية في دولة الاحتلال سباقاً بين وزراء الحكومة الإسرائيلية على رفع سقف التصريحات بشأن ضم الضفة الغربية أو فرض السيادة الكاملة عليها، في مشهد يعكس استمرار النهج التوسعي الإسرائيلي، وكأن الاحتلال لم يفرض سيطرته عليها فعلياً منذ سنوات بقوة السلاح.
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تتقاطع مع موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يطمح إلى إنهاء الوضع القائم لما تبقى من مقاومة ومدنيين لا حول لهم ولا قوه في قطاع غزة والتفرغ لضم الضفة الغربية، وهو ما ينسجم مع الطرح الأميركي الداعي إلى تهجير الفلسطينيين من القطاع وترحيلهم، بالتوازي مع إقامة مشاريع اقتصادية أميركية وإسرائيلية في إطار رؤية “شرق أوسط جديد” يروّج لها اليمين الإسرائيلي.
الأطماع الإسرائيلية في الضفة الغربية لم تتوقف منذ احتلال عام 1967، بعد أن سيطرت تل أبيب على 78% من أرض فلسطين التاريخية عام 1948، ثم عززت سيطرتها لاحقاً باتفاقية رودس عام 1949 التي تنازل فيها العرب –وليس الفلسطينيون– عن منطقة المثلث. وتؤكد المعطيات أن سباق الوزراء في إطلاق التصريحات التصعيدية يندرج في سياق استمرار المشروع الاستيطاني والتهويدي على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية.
*إسرائيل تعيد إنتاج تجربة 1948 في الضفة الغربية تحت غطاء “مناطق سي”
حذّر مراقبون من أن ضعف الموقفين الفلسطيني الرسمي والعربي قد يمهّد لتكريس واقع جديد في الضفة الغربية وقطاع غزة، بحيث يفرض الاحتلال سيطرته الكاملة ويترك الفلسطينيين محاصرين داخل مدنهم وقراهم، فيما تبقى نحو 60% من الضفة تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة بذريعة أنها “مناطق سي” غير منقولة للسلطة الفلسطينية.
ويرى متابعون أن إسرائيل تسعى لتكرار التجربة التي نفذتها عام 1948 ضد الفلسطينيين داخل أراضيهم، حين استولت على مساحات واسعة من الأرض وحصرت السكان في تجمعات محدودة داخل المدن والقرى، ما أدى إلى حرمانهم من حقوقهم الوطنية. ويشيرون إلى أن هذا السيناريو يُراد نسخه اليوم في الضفة الغربية، بحيث يتحول الفلسطينيون هناك إلى “سكان بلا حقوق” دون السماح لهم بالترشح أو المشاركة السياسية في إسرائيل.
وتتوقع الرؤية الإسرائيلية، بحسب المراقبين، أن تقتصر إدارة التجمعات السكانية الفلسطينية على رؤساء بلديات أو مجالس محلية يديرون شؤونهم الحياتية فقط، في وقت تمضي فيه المشاريع التصفوية الرامية إلى تمزيق وحدة الضفة الغربية وإبعاد السلطة الفلسطينية عن أي مسؤوليات حقيقية، وحصر دورها –إن وُجد– في المجال الأمني.
ويشير المحللون إلى أن اليمين الإسرائيلي، بقيادة بنيامين نتنياهو، لا يريد حتى سلطة فلسطينية ضعيفة، وهو ما يفسر تصاعد الأحاديث عن تسليم مدن كبرى مثل الخليل لإدارة العشائر، في مسعى لإضعاف السلطة أكثر وإلغاء أي إطار وطني جامع للفلسطينيين في الضفة.
*الاعتراف الدولي بدولة فلسطين “مشروط” ولا يلبي الحقوق الوطنية
رغم تصاعد الأصوات الشعبية والدولية المنددة بحرب الإبادة في قطاع غزة، وما تبعها من خطوات لبعض الحكومات الأوروبية والدولية للاعتراف بدولة فلسطينية، حذّر مراقبون من المبالغة في التفاؤل بهذه الخطوات التي قد تأتي مشروطة ومقيدة للحقوق الوطنية الفلسطينية.
وأشار المراقبون إلى أن الفلسطينيين يناضلون منذ 76 عاماً من أجل إقامة دولتهم، استناداً إلى قرار التقسيم الصادر عام 1947، الذي نص على إقامة دولتين يهودية وعربية على أرض فلسطين. ورأوا أن الوعود المتكررة بالاعتراف أو التهليل لإقامة دولة فلسطينية قد تتحول إلى “بازار مزاودات” دولية وأوروبية أكثر منها التزاماً فعلياً بإنهاء الاحتلال.
وأكدوا أن الفلسطينيين لا يحتاجون إلى “انتصارات وهمية” أو مجرد اعترافات سياسية في الأروقة الدولية، في وقت يُقتل فيه شعبهم وتُهدم بيوتهم وتُصادر أراضيهم، مشددين على أن الحق الفلسطيني يتجسد في التحرر الكامل وإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة لا في اعترافات مشروطة
*غياب التوازن الإقليمي يفتح الباب لفرض حلول من الطرف الأقوى
تساءل مراقبون عن آفاق الحلول في ظل الوضعية الراهنة بالمنطقة، مشيرين إلى أن الطرف الأقوى أو المسيطر على الأروقة السياسية هو من يفرض رؤيته.
وأوضحوا أن سلسلة الهزائم التي مُنيت بها سوريا، إلى جانب حالة التفسخ في العراق والخلافات السياسية المستمرة في لبنان، أضعفت الموقف العربي العام، ما جعل ميزان القوى يميل لصالح الاحتلال وحلفائه في المنطقة
*المنطقة العربية مرتهنة للهيمنة الأميركية والإسرائيلية لعقود مقبلة
حذّر مراقبون من أن المنطقة العربية قد تبقى خاضعة للهيمنة الأميركية والإسرائيلية لعقود طويلة تمتد من خمسين إلى مائة عام، في ظل استمرار السيطرة على مواردها وفرض أعباء مالية ضخمة على بعض الدول لصالح الولايات المتحدة.
وأوضحوا أن هذه الهيمنة تتقاطع مع الأطماع الإسرائيلية الرامية إلى فتح قنوات اقتصادية مع الدول العربية، ما يضعف استقلال القرار العربي ويقود إلى “نفق مظلم” من حيث القدرة على إدارة الثروات الوطنية.
أما على الصعيد الفلسطيني، فقد اعتبر المراقبون أن السنوات المقبلة قد تكون “عجافاً سياسياً” بفعل تنكر إسرائيل للحقوق الفلسطينية، والانحياز الأميركي المطلق للاحتلال، إلى جانب تعاون بعض الأنظمة العربية مع تل أبيب وواشنطن. وأشاروا إلى أن الموقف العربي الرسمي بات ينظر إلى القضية الفلسطينية كعبء أو مصدر إزعاج، في مقابل استمرار التعاطف الشعبي العربي العميق مع فلسطين
**إسرائيل الرابح الأكبر وسط التشتت العربي وضعف القيادة الرسمية
رأى محللون أن المشهد السياسي الراهن يشير إلى أن إسرائيل تسعى إلى إعادة احتلال قطاع غزة بشكل كامل وإضعاف المقاومة فيه لتبقى محصورة في “جيوب صغيرة”، فيما تعمل في الضفة الغربية على السيطرة على مساحات واسعة وتقويض سلطة فلسطينية ضعيفة أصلاً، إلى جانب التحكم بالمقدرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للفلسطينيين.
وأشاروا إلى أن السنوات العشر المقبلة قد تشهد خضوع قطاع غزة لإعادة ترتيب كامل تحت السيطرة الإسرائيلية، بذريعة “محاربة الإرهاب”، في وقت يعاني فيه الفلسطينيون من تضييق خانق، وحصار متواصل، وانتشار الحواجز العسكرية، فضلاً عن التحكم الإسرائيلي بالموارد المالية والمائية ومنع حرية الحركة.
وبحسب المراقبين، فإن المنطقة العربية برمتها مرشحة للخضوع لـ”الشرطي الإسرائيلي” ضمن مشروع “الشرق الأوسط الجديد” الذي يستهدف أجزاء من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين ومصر، في ظل استمرار الضعف العربي الرسمي وانعدام وجود قيادة عربية وطنية قادرة على مواجهة “السرطان التوسعي الإسرائيلي”.
وأكدوا أن الموقف العربي الرسمي لا يرقى إلى الحد الأدنى من الكرامة الوطنية، وأن استمرار هذا الواقع سيجعل الدول العربية أكثر عرضة للابتزاز، بحيث يصبح بقاء أنظمتها مرهوناً بما تدفعه من أموال لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل، الأمر الذي يجعل إسرائيل الرابح الأكبر في هذه المعادلة لسنوات طويلة مقبلة
الصين وروسيا تؤكدان دعمًا “شكليًا” للفلسطينيين وأوروبا منقسمة وتابعة لواشنطن
اعتبر محللون سياسيون أن المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية، ورغم ما تحمله من شعارات داعمة، تبقى في إطار التنظير السياسي دون خطوات عملية مؤثرة على الأرض.
وأوضحوا أن الصين، ومعها روسيا، تواصلان إعلان دعمهما لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة، لكن هذا الدعم لا يتجاوز التصريحات السياسية والمواقف في المحافل الدولية، دون ترجمة فعلية لقرارات أو ضغوط على إسرائيل، رغم كونهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي.
أما الموقف الأوروبي، فبحسب المراقبين، يبقى منقسمًا ويكتفي بالتعبير عن تأييد “شكلي” للحقوق الفلسطينية، لكنه يظل خارج إطار الصراع الفعلي، بحكم ارتباط مصالح دول الاتحاد الأوروبي بالولايات المتحدة وإسرائيل.
وأشار المحللون إلى أن أوروبا فقدت منذ عقود استقلالها السياسي، خصوصًا بعد رحيل الرئيس الفرنسي شارل ديغول عام 1968، الذي كان آخر من حاول تكريس نهج استقلالي في القرار الأوروبي، لتتحول السياسات الأوروبية تدريجيًا إلى التبعية الكاملة للولايات المتحدة والأقطاب الغربية الأخرى
**الأمم المتحدة رهينة النفوذ الأميركي والفلسطينيون يفقدون الثقة بجدوى قراراتها
أجمع محللون سياسيون على أن مستقبل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لا يبشر الفلسطينيين بأي اختراق حقيقي في قضيتهم الوطنية، رغم الرهان الطويل على المؤسسة الدولية.
وأشاروا إلى أن الولايات المتحدة استخدمت أكثر من 45 مرة حق النقض (الفيتو) لإسقاط قرارات كانت تصب في مصلحة فلسطين، ما جعل مجلس الأمن أداة بيد واشنطن تتحكم من خلالها بمسار القضايا الدولية، بينما تظل قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة غير ملزمة، رغم اعتراف أكثر من 150 دولة بفلسطين كعضو مراقب.
وأكد المراقبون أن الفلسطينيين لا تنقصهم الاعترافات الشكلية أو التصريحات السياسية، بل يحتاجون إلى أرض وحدود ومياه وعاصمة وأمن، وهي عناصر لم تستطع الأمم المتحدة ضمانها منذ نشأتها بعد الحرب العالمية الثانية، والتي جاءت امتدادًا لعصبة الأمم التي شرعت الاستعمار في المنطقة.
وبحسب التقديرات، فإن المنظمة الدولية ستظل لعقود قادمة أداة في يد الولايات المتحدة، التي تتحكم في ميزانيتها وقراراتها، وتوظف البند السابع من ميثاقها للتدخل العسكري حيث تشاء، بينما تبقى القضية الفلسطينية مستثناة من أي تطبيق إلزامي لهذا البند