اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١١ نيسان ٢٠٢٥
قال خبراء في الشؤون العسكرية إن إخلاء جيش الاحتلال مناطق سكنية في قطاع غزة وإقامته ما تسمى 'المحاور'، يكشفان عن إستراتيجية عسكرية تهدف لعزل المقاومة الفلسطينية وتأليب الجمهور عليها.
وبعد استئناف جيش الاحتلال حرب الإبادة على القطاع في الثامن عشر من مارس المنصرم، أصدر أوامر بإخلاء مناطق من محافظة شمال غزة، وفي الحادي والثلاثين من ذات الشهر أصدر أوامر بإخلاء محافظة رفح والأحياء المجاورة لها من محافظة خان يونس، وبدأ في إقامة محور 'موراج' ليعزل بذلك رفح عن القطاع، ولاحقًا كرر أوامر الإخلاء لغالبية حي الشجاعية شرقي مدينة غزة.
أبعاد العملية
يقول الخبير في الشؤون العسكرية والاستراتيجية نضال أبو زيد، إنه بعد ٢٣ يومًا من استئناف حرب الإبادة في قطاع غزة، أصبحت إستراتيجية الاحتلال واضحة، وهي ترتكز على ثلاثة أبعاد رئيسية لاستئناف العمل العسكري.
البعد الأول استخباري، يتمثل في العمليات النفسية والعملاء ومحاولة الوصول إلى القيادة والسيطرة للمقاومة الفلسطينية، والهدف من ذلك تأليب الحاضنة الشعبية على المقاومة، ومحاولة تفتيت المقاومة من الداخل، في ظل إدراك الاحتلال وأجهزته الاستخبارية باستعصاء الحسم العسكري.
البعد الثاني، وفق أبو زيد، هو الاستمرار في عملية القصف والتدمير الممنهج واتباع سياسة الأرض المحروقة، لأنها تدعم البعد الأول في تأليب الحاضنة الشعبية.
أما البعد الثالث، فهو البعد التكتيكي، ويرتكز على محاولة الاحتلال التقدم في أكثر من منطقة، تقدم حذر وليس عملية عسكرية شاملة، ويحاول من خلال ذلك تقسيم القطاع إلى أكثر من محور (محور موراج يفصل رفح عن خان يونس، ومحور نتساريم يفصل غزة عن الوسط والجنوب)، وربما يتجه الاحتلال إلى إنشاء محور آخر.
فشل مبكر
يتزامن تقطيع القطاع مع تقدمات محدودة لقوات الاحتلال ضمن مناطق محددة، بهدف تقليص المساحة الجغرافية التي تتواجد فيها المقاومة، وهو ما يسمح للاحتلال بالعمل بحرية أكبر في تلك المناطق لتحقيق أهدافه، لكن -والكلام لأبو زيد- بعد ٢٣ يومًا من استئناف الحرب، لم ينجح الاحتلال إلا في تنفيذ عملية تقطيع أوصال قطاع غزة.
ويشير أبو زيد لصحيفة 'فلسطين'، إلى أن إستراتيجية الاحتلال الحالية في غزة مستوحاة من خطة الجنرال الأميركي ديفيد بتريوس، التي طبقها في العاصمة العراقية بغداد عندما قسمها عبر جدران إسمنتية إلى مربعات في العام ٢٠٠٣، وهو ما يعدّه الخبير العسكري دليلاً واضحًا على الاستشارات الأميركية المقدمة للاحتلال الإسرائيلي في المرحلة الحالية، بعد فشله في تحقيق إنجاز في غزة بعد أكثر من ٥٤٠ يومًا من العدوان.
وكان وزير جيش الاحتلال، إسرائيل كاتس، قد صرّح أول من أمس، أن قواته تعمل للقضاء على المقاومة، وتحديد مواقعها، وتقطيع أوصال القطاع، وتوسيع المنطقة العازلة حتى يتم إطلاق سراح أسرى الاحتلال.
ووفق أبو زيد، فإن الهدف الرئيس من العملية، حسب كاتس، هو تحرير الأسرى بالقوة، قبل أن يقلص وزير جيش الاحتلال سقف توقعاته وأهدافه من تحرير الأسرى بالقوة إلى توسيع المنطقة العازلة.
توسيع المنطقة العازلة لم يكن ضمن أهداف الاحتلال منذ استئناف الحرب، وطرأ بعدما أدرك الاحتلال أن المقاومة لن تسلّم الأسرى بالقوة، وأنه لن يستطيع إجبارها على تقديم تنازلات بعد ٢٣ يومًا من الإفراط في استخدام القوة والكتلة النارية الهائلة، لذلك خفّض كاتس سقف توقعاته، ليزعم لاحقًا تحقيق الهدف بتوسيع المنطقة العازلة.
ويرى أبو زيد، أن تعميق جيش الاحتلال توغلاته، وإخلاء المزيد من المناطق، وإقامة المحاور، محاولة إسرائيلية لامتلاك مزيد من الأوراق التفاوضية، لتحسين وضعها التفاوضي من خلال التوغلات أو السيطرة على مساحات من غزة.
إستراتيجية كبرى
تركيز الاحتلال على رفح وشمال غزة وشرقها، ينطلق من خطط تكتيكية ضمن إستراتيجية كبرى تهدف إلى تقطيع غزة وعزل المواطنين عن المقاومين، بحسب الخبير العسكري والإستراتيجي إلياس حنا.
ولفت حنا، في تصريحات صحفية، إلى أن عملية 'القضم المتدرج' تهدف إلى توسيع المنطقة العازلة وتقسيم القطاع، وعزل المدنيين عن المقاومة، وبالتالي التعامل مع المقاومين بطريقة مختلفة.
وتابع: عمليات جيش الاحتلال تترافق مع أوامر إخلاء أساسية، وكأن المرحلة القادمة تستهدف عزل المواطنين عن المقاومة، وبالتالي تطويق الأماكن السكنية، والتعامل مع المقاومة في كل منطقة على حدة بحيث تكون منفصلة عن بعضها البعض.
وبيّن الخبير العسكري أن هناك اختلافًا جوهريًا بين المرحلة الحالية والمرحلة السابقة من العمليات، ففي المرحلة الأولى خلال الـ15 شهرًا الماضية، كان جيش الاحتلال يعتمد مبدأ 'الدخول والاشتباك مع المقاومة ثم الانسحاب'، وإذا أراد العودة كان يجمع معلومات تكتيكية عن المقاومة ليعود ويشتبك مجددًا.
وأوضح أن الاحتلال أصبح يعتمد مبدأ مختلفًا ضمن هذه الإستراتيجية الجديدة، حيث يدخل ويطلب من المدنيين إخلاء المنطقة، ويشتبك مع المقاومة، ثم يبقى في هذه المناطق، معتبرًا أن هذا هو الفرق الكبير بين المرحلة الأولى والمرحلة الحالية التي يمكن وصفها بـ'مرحلة الاحتلال'.