اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٥ أب ٢٠٢٥
حذر خبير في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية من محاولات إعادة صياغة الواقع الفلسطيني بإرادة خارجية، مؤكدا أن ما تسمى ترتيبات 'اليوم التالي' في قطاع غزة ما هي إلا امتداد لمشروع 'إقليمي–دولي' تستهدف إنهاء المقاومة، وتفكيك القضية الفلسطينية من داخلها، عبر أدوات فلسطينية تفرض من خارج الإرادة الوطنية.
وأكد الدكتور نعيم الريان المقيم في الولايات المتحدة الامريكية، أن غزة تقاتل وحدها منذ ما يزيد عن اثنين وعشرين شهرا، وتواجه حرب إبادة ممنهجة في ظل صمت عربي مطبق وتواطؤ دولي واضح، مشيرا إلى أن الصمود الأسطوري لأهلها لا يمكن أن يختزل في مفاوضات مغلقة خلف الأبواب، ولا في سيناريوهات إدارة مدنية أو أمنية مفروضة بقوة التجويع والحصار.
غياب السلطة عن الفعل
وأدان أداء السلطة في رام الله، واصفا إياه بالعاجز والسلبي، مشددا على أن استمرار التنسيق الأمني، وتجاهل صرخات الشعب في غزة والضفة الغربية، قد فاقم من أزمة الشرعية الوطنية، وأضعف الموقف الفلسطيني أمام المجتمع الدولي، ومهد الطريق لكل من يريد تجاوز المؤسسات الشرعية الفلسطينية أو فرض بدائل هجينة عنها.
وقال الريان في حديث لـ 'فلسطين أون لاين'، إن ما يجري في غزة ليس مجرد عدوان عسكري، بل حرب إبادة معلنة، تشكل أخطر مراحل المشروع الصهيوني منذ النكبة، هدفها إنهاء فكرة الشعب، لا فقط إنهاء فصيل أو كيان.
وأوضح أن الاحتلال لم يخف أهدافه، بل قالها صراحة: 'تصفية غزة، تهجير سكانها، وتدمير بنيتها السياسية والعسكرية'، لافتا إلى أن الصمت الدولي، وخصوصا الأمريكي، أعطى الضوء الأخضر لهذا المسار الدموي.
غزة حالة استثنائية
ورأى أن صمود غزة في وجه هذه الحرب الضروس شكل حالة استثنائية في تاريخ الصراعات، مشددا على أن غزة لم تستسلم، رغم الحصار والتجويع والهدم الكامل للمقومات الحياتية.
وقال إن قطاعا صغيرا من الأرض، مقطوعا عن العالم، بلا كهرباء ولا دواء ولا غذاء، يقاتل آلة عسكرية متغولة، مدعومة بأحدث أنظمة التسليح، ويصمد لأكثر من 22 شهرا، لهو أمر غير مسبوق في تاريخ الشعوب.
وأوضح أن ما يسمى بـ'خطط اليوم التالي' في غزة لا تطرح في سياق وطني جامع، بل في غرف مغلقة، وبتمويل وتحريض دولي، وتهدف إلى تنصيب حاكم إداري، أو مجلس مدني، على شاكلة تجربة العراق بعد الاحتلال.
ولفت إلى أن طرح أسماء مثل سمير حليلة أو غيره، دون شرعية شعبية أو توافق وطني، لا يخدم سوى الاحتلال، ويمنحه ما لم يستطع تحقيقه بالقصف والتجويع.
إعادة هندسة لا ترميم
وأكد أن هذه المحاولات تشكل التفافا على المقاومة، وتكريسا لفكرة الاستسلام، وتحميل الضحية مسؤولية ما آلت إليه الأمور.
وقال إن الهدف ليس فقط 'ترميم غزة'، بل 'إعادة هندستها' لتكون نموذجا قابلا للتعميم على الضفة لاحقا، وعبر هذه البوابة يجري تفكيك كل ما تبقى من هوية وطنية مستقلة.
وأشار الريان إلى أن الاحتلال لم يكن ليمضي في هذا الطريق، لولا وجود قبول أو صمت عربي رسمي، يتراوح بين الشراكة الضمنية في بعض السيناريوهات، أو التخاذل في مواجهة العدوان.
وأضاف أن مواقف بعض الدول العربية اتسمت بالضبابية أو الحياد البارد، في وقت لا يحتمل سوى الانحياز لدماء الأطفال، وكرامة المدنيين تحت الحصار.
أوهام الوعود الدولية
وحمل الريان السلطة في رام الله مسؤولية غياب الفعل السياسي والميداني المؤثر، متهمها بأنها اختارت 'خيار الانتظار'، وتمسكت بتنسيقها الأمني، في الوقت الذي كانت فيه غزة تحترق.
واعتبر أن هذا الموقف السياسي الباهت لم يسهم فقط في إضعاف الجبهة الوطنية، بل منح الاحتلال جرأة إضافية في تعميق عدوانه.
ورأى أن السلطة باتت تتحرك ضمن عقلية إدارة أزمة، لا مشروع تحرر وطني، وقال إن الرهان على المجتمع الدولي بديلا عن وحدة الصف الفلسطيني ومقاومته أثبت فشله مرارا، موضحا أن 'الوعود' الدولية بإنشاء دولة فلسطينية دون أدوات قوة، ودون كلفة يدفعها الاحتلال، ليست سوى أوهام تسوق للداخل لتبرير الانكفاء والانقسام.
الضفة شرارة الغضب
ونبه إلى أن الضفة الغربية تعيش حالة احتقان صامت، نتيجة ممارسات الاحتلال اليومية من اعتقالات وهدم واستيطان، وفي ظل غياب أي مظلة سياسية أو ميدانية حقيقية للمواجهة.
وقال إن السلطة تتعامل مع الضفة كـ'إدارة مدنية' تحت الاحتلال، دون أن تحمل الاحتلال مسؤوليته القانونية، أو تسحب الشرعية عن وجوده.
وشدد الريان على أن الرد الحقيقي يبدأ من الضفة، حيث توجد الكتلة السكانية الأكبر، والامتداد الجغرافي الأوسع، مؤكدا أن الاحتلال يخشى اشتعال الضفة أكثر من صواريخ غزة، لأنه يعلم أن انتفاضة شاملة هناك قد تغير قواعد اللعبة.
وقال: 'قلب الطاولة يبدأ من نابلس وجنين، لا من فنادق المؤتمرات الخارجية'.
سلاح المقاومة.. ضمانة لا تهديد
وهاجم الدعوات المتزايدة لنزع سلاح المقاومة، واعتبرها امتدادا لخطط تصفية القضية، مؤكدا أن أي مشروع سياسي لا يضع المقاومة كعنصر قوة وليس كعبء، هو مشروع هزيمة.
وشدد على أن سلاح غزة ليس تهديدا، بل ضمانة لعدم تكرار سيناريو النكبة، لافتا إلى أن من يطالبون بنزع السلاح هم ذاتهم من يراهنون على (إسرائيل) كشريك للتسوية.
واستذكر ما جرى في ثورة 1936، حين تم الضغط العربي والدولي على الفلسطينيين لوقف ثورتهم، مقابل وعود بريطانية زائفة.
وقال: 'ما أشبه اليوم بالأمس، نفس الخطاب، ونفس الرهان، ونفس الخديعة. هناك من يريد إقناع الشعب الفلسطيني بأن المقاومة عبء، وأن التسليم قد يأتي بالاستقلال. لكن هذا الشعب جرب كل ذلك، ولن يُلدغ من الجحر ذاته'.
ماكنة دولية لتشوية المقاومة
وانتقد بشدة بعض المحاولات الإعلامية لتشويه صورة المقاومة، وشيطنة خياراتها، واعتبر أن هذه الحملة تدار ضمن ماكينة إقليمية ودولية هدفها خلق رأي عام يقبل بالهزيمة تحت عنوان 'الواقعية السياسية'.
وقال إن تسويق أسماء جديدة كـ'قيادات بديلة' هو استكمال للعدوان بوسائل ناعمة، أخطر من القنابل.
وأعرب عن خشيته من أن تتكرر مآلات التاريخ، وأن يجهض المشروع الوطني الفلسطيني كما حدث مرارا، بسبب الرهانات الخاطئة والتبعية السياسية.
وأضاف: 'ما لم تتمكن المؤسسات الفلسطينية من بناء مشروع تحرري مستقل، وقطع التبعية لكل العواصم الأجنبية، فلن يكون هناك قرار وطني حقيقي، بل وكلاء يديرون واقعا مفروضا من الخارج'
ووجه دعوة للقيادة الفلسطينية بكافة أطيافها لتحمل مسؤولياتها، قائلا: 'لن تنقذ غزة بيانات الشجب، ولن تسترد الضفة خريطة الطريق، ولن تعود فلسطين إلا إذا قرر أصحابها أن المشروع الوطني أهم من مصالحهم الفئوية، وأن المعركة مع الاحتلال لا تدار بالهدوء والانضباط، بل بالإرادة والمقاومة والوحدة'.