اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٠ أيار ٢٠٢٥
لم يفارق المشفى لحظة واحدة، ولم يخطُ خارجه ولو مترًا واحدًا، لم يرَ الفضاء الخارجي، فمنذ لحظة الإفراج عنه ضمن صفقة 'طوفان الأحرار'، وهو على سرير الاستشفاء، بعد سنوات طوال من 'الإهمال الطبي' الذي نهش جسده في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
لكنه ظل يقاوم المرض أملًا بلقاء يجمعه بذويه، لكنه استشهد دون أن يُطفئ ظمأ تسعة عشر عامًا من الشوق.
فالأسير المحرر الشهيد معتصم رداد (43 عامًا) من بلدة صيدا قضاء طولكرم في الضفة الغربية، كان من أصعب الحالات المرضية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، التي قوبلت بإهمال طبي تجاوز حدود الإنسانية، ودفع بجسده إلى الموت البطيء في زنازين تفتقر إلى أدنى شروط الرعاية.
ولم يقتصر الأمر على الإهمال الطبي، بل تجاوزه إلى التعذيب النفسي، بحسب رسالة سرّبها رداد من سجنه العام الماضي، ذكر فيها أن الكلمة الوحيدة التي كان يسمعها من السجانين هي: 'أنت ميت ميت هنا'.
وقال في الرسالة ذاتها: 'معاناتنا كمرضى في السجون لا يمكن تصورها بأي شكل من الأشكال، نحن نموت يوميًا. نحن محتجزون في زنازين، ومحاصرون بالجوع والعطش والقمع والتنكيل والتعذيب، ومحرومون من أدنى شروط الرعاية الصحيّة.'
وختم قائلًا: 'كلمتي الأخيرة – إن كتب الله لي الشهادة في السّجن – لا أريد من أحد أن يطالب بجثماني، فمن تركني أموت داخل السجون لا يحق له المطالبة بجثماني'.
لكن المقاومة في غزة كان لها رأي آخر، فطالبت بالإفراج عن الأسير رداد على رأس دفعات صفقة 'طوفان الأحرار'، فتحرر ضمن الدفعة الأخيرة منها في شباط/فبراير الماضي، فترعرع الأمل في قلب ذويه بأن يلتقوا به، لكن الاحتلال الإسرائيلي كان له رأي مختلف.
يقول شقيقه الأصغر، عمرو رداد لـ 'فلسطين أون لاين': 'كان أملنا كبيرًا أن ينتصر معتصم على المرض ونلتقي به، فهو نزيل في مستشفى مصري منذ لحظة الإفراج عنه'.
ويشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي منع والدته وإخوته من السفر للقائه، فكان التواصل معه فقط عبر الهاتف، ولم يتمكن أحد من أفراد العائلة من الوصول إليه سوى أحد أعمامه، الذي كان متواجدًا في الخارج وقت الإفراج عن معتصم، فرافقه في المستشفى منذ لحظة خروجه وحتى استشهاده.
وكان الأمل يحدو قلوب ذويه بأن يتمكن معتصم من تجاوز الانتكاسة التي ألمّت بحالته الصحية خلال الأيام العشرة الماضية، كما اجتاز غيرها من الأزمات الصحية في سجون الاحتلال، لكنه استشهد أول من أمس.
فقد كان مرض السرطان – كما يوضح عمرو – قد استفحل في جسده، وأُصيب بجرثومة في الرئتين، لتنتهي بشهادته واحدة من أصعب القصص المرضية في سجون الاحتلال.
وكان معتصم قد اعتُقل عام 2006، وصدر بحقه حكم بالسجن عشرين عامًا، وهو مصاب بشظايا في أنحاء جسده. ثم أُصيب بالسرطان، ليقضي معظم سنوات سجنه في مستشفى سجن الرملة، دون أن يتلقى أي رعاية صحية.
وساء وضعه الصحي بشكل كبير، حيث أصبح يعاني من التهابات خطيرة في الأمعاء، ونزيف دائم تسبب له بهبوط حاد في الدم، وكان يتعرض لحالات إغماء متكررة، ويعاني من ارتفاع في ضغط الدم، وسواها من المضاعفات التي كانت تتفاقم بفعل تعمّد الاحتلال نقله عبر 'البوسطة' إلى المشفى.
وبعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2023، نقله الاحتلال إلى سجن عوفر، ومنع عنه الدواء والطعام والملابس، ما زاد من تدهور وضعه الصحي.