اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٢ تموز ٢٠٢٥
عبّر موظفون في قطاع غزة عن استيائهم الشديد بعد إصدار سلطة النقد تعليمات للمصارف المحلية باستئناف خصم أقساط القروض من الرواتب، في وقتٍ لا تزال تداعيات الحرب الإسرائيلية تُلقي بظلالها الثقيلة على مختلف جوانب الحياة.
ورغم تفهّم الموظفين لأهمية الحفاظ على استقرار البنوك، إلا أنهم اعتبروا توقيت القرار منفصلًا تمامًا عن واقعهم المأساوي، وغير منسجم مع حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع.
وأكد عدد من الموظفين أن الأولى بالبنوك كان توفير السيولة النقدية، وتسهيل استبدال العملات ذات التكلفة العالية، بدلًا من ترك الناس فريسة للمرابين وتجار السوق السوداء، الذين يستغلون الأزمة لمضاعفة أرباحهم على حساب الفقراء والمحتاجين.
قرضٌ بلا بيت
يروي الموظف المتقاعد هاشم البرقوني حكايته مع قرض إسكان حصل عليه قبل أكثر من 15 عامًا، انتهت بفقدان البيت وبقاء الدين. يقول: 'أخذت قرض إسكان من أحد البنوك المحلية عام 2010 لأؤمّن مسكنًا لعائلتي، وكان من المفترض أن أنهي السداد في 2020، لكن بسبب الأزمات المتكررة وعدم انتظام الرواتب، أُجبرت على إعادة جدولة القرض، فتراكمت علينا الفوائد بشكل غير منطقي، وتحول القرض إلى عبء مضاعف بدلًا من أن يكون حلًا'.
مع بداية تقاعده، ظن البرقوني أن معاناته مع القرض انتهت، لكن الواقع كان أكثر قسوة، خاصة بعد حرب الإبادة الأخيرة التي دمّرت منزله بالكامل. يقول بأسى لصحيفة 'فلسطين': 'بتنا نعيش في ظروف مأساوية بعد أن خسرنا بيت العمر، ومع ذلك ما زال البنك يطالبنا بسداد ما تبقى من أقساط وفوائد! بالأمس فقط وصلني إشعار بخصم جديد من راتبي التقاعدي، رغم أنني لا أملك حتى ثمن رغيف الخبز.'
وتساءل: 'كيف يُطالب الإنسان بدفع أقساط عن بيت لم يعد موجودًا؟ أين هي المسؤولية الاجتماعية للبنوك؟ وأين الجهات الرسمية من معاناة مئات المتقاعدين العاجزين عن دفع ثمن كارثة لم يتسببوا بها؟'.
'جدولة' تُفاقم الأزمة
من جانبه، عبّر الموظف سلامة أبو معيلق عن استيائه من ما وصفه بـ'الحل الوهمي' الذي تقترحه البنوك عبر ما يُسمى بجدولة القروض، موضحًا أنها لا تعدو كونها عبئًا إضافيًا يزيد الفوائد، ويمدد سنوات السداد، ويُبقي الخصم قائمًا من راتب بالكاد يغطي أساسيات الحياة.
وشدد على أن الحد الأدنى من المسؤولية الأخلاقية كان يفرض على البنوك تجميد الأقساط والخصومات، بما يراعي حجم الكارثة التي يمر بها قطاع غزة، مشيرًا إلى أن البنوك، رغم تراجع أعمالها، لا تزال تحقق أرباحًا.
قرار رسمي يفاقم الأزمة
وكانت سلطة النقد الفلسطينية قد أصدرت قرارًا يقضي باستئناف خصم أقساط القروض من رواتب الموظفين اعتبارًا من راتب يوليو الجاري، على ألا يتجاوز الخصم نسبة 50% من الراتب، وذلك بعد توقف مؤقت للخصومات بسبب الحرب المستمرة على غزة منذ أكتوبر 2023.
وأوضحت سلطة النقد أن القرار يهدف إلى إعادة التوازن في العلاقة بين المقترضين والمصارف، والحفاظ على النظام المصرفي، مع تأكيدها على إمكانية المتضررين التقدم بطلبات لإعادة جدولة القروض بما يتناسب مع أوضاعهم.
مسؤولية غائبة
بدوره، اعتبر الخبير الاقتصادي خالد أبو عامر أن قرار استئناف الخصم في هذا التوقيت يعكس انفصالًا واضحًا بين السياسات المصرفية والواقع الإنساني في غزة.
وأوضح أبو عامر أن الوضع الاقتصادي في القطاع انهار بشكل شبه كامل، وتآكلت القدرة الشرائية بفعل الحرب المستمرة، وانعدام مصادر الدخل، وارتفاع معدلات البطالة والفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
وأضاف أن استمرار خصم القروض دون مراعاة لهذه المتغيرات يعمّق الأزمة، ويهدد بتفشي ظواهر اجتماعية خطيرة، مثل الاحتيال والربا والانهيار الأسري.
وشدد على أن المطلوب من البنوك ليس فقط وقف الخصومات، بل إطلاق مبادرات مسؤولية مجتمعية حقيقية، تشمل تجميد القروض، وإعادة هيكلة الديون دون فوائد إضافية، وضخ سيولة نقدية لإنعاش السوق المحلي.
وختم بالقول: 'إذا لم تُعد البنوك حساباتها، فإنها لن تواجه فقط أزمة مالية مستقبلية، بل ستخسر ثقة مجتمع بأكمله يشعر اليوم بأنه تُرك لمصيره في مواجهة الحرب، والفقر، والدَّين، في آنٍ واحد'.