اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٠ كانون الثاني ٢٠٢٥
مع دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ صباح أمس، عاد ملف جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في القطاع إلى دائرة الاهتمام الدولي، مثيرًا تساؤلات حول قدرة المحكمة الجنائية الدولية على متابعة التحقيقات والملاحقات القضائية، خاصة بعد فرض مجلس النواب الأمريكي 'الكونغرس' عقوبات عليها.
ورغم إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال ضد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير جيشه السابق يوآف غالانت، والأدلة والشهادات التي توثق انتهاكاتهما بحق المدنيين الفلسطينيين، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن العقوبات الأمريكية من إعاقة تحقيق العدالة، أو هل سيكون لها دور في تعطيل أي خطوات قانونية ضد (إسرائيل)؟
أدلة دامغة
أكدت الباحثة في العلاقات الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان، الدكتورة لينا الطبال، أن العقوبات التي أقرها مجلس النواب الأمريكي تمثل محاولة واضحة لإعاقة جهود التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في غزة. ومع ذلك، أشارت إلى أن هذه العقوبات لن تقف حائلًا أمام ملاحقة مرتكبي تلك الجرائم، خاصة مع وجود أدلة دامغة واستمرار الدعم من الدول الأعضاء في المحكمة.
وأوضحت الطبال لـ 'فلسطين أون لاين' أن مشروع القانون الذي أقره مجلس النواب الأمريكي يحمل اسم 'مكافحة المحكمة غير الشرعية'، ويهدف إلى فرض عقوبات على أي جهة أجنبية تحقق أو تعتقل مواطنين أمريكيين أو رعايا دول حليفة للولايات المتحدة، خاصة (إسرائيل).
وتشمل العقوبات التي تضمنها مشروع القانون حظر المعاملات العقارية داخل الولايات المتحدة، وإلغاء أو منع إصدار تأشيرات للأشخاص المتورطين في هذه الملاحقات القضائية، بما في ذلك المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية والمسؤولين الذين يعملون على قضايا تتعلق بالجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقد تعرضت المدعية العامة السابقة للمحكمة، فاتو بنسودة، لعدة مضايقات وتهديدات خلال فترة عملها، في إطار محاولات أمريكية للضغط على المحكمة ومنعها من متابعة قضايا تمس مواطنيها وحلفاءها. كما تعرض المدعي العام الحالي للمحكمة، كريم خان، لمضايقات وتهديدات واتهامات بعد إصداره مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
وتمسك خان في مقابلة مع وكالة 'رويترز' أمس بقراره إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، رغم العقوبات الأمريكية على المحكمة احتجاجًا على ذلك، واصفًا هذه العقوبات بأنها خطوة 'مرفوضة ومؤسفة'.
مسار العدالة
وأشارت الطبال إلى أن هذه العقوبات قد تعرقل عمل المحكمة الجنائية الدولية جزئيًا، إلا أن العقوبات المفروضة على المسؤولين أنفسهم تبدو أقل تأثيرًا، حيث يمكنهم تحملها شخصيًا والاستمرار في أداء مهامهم.
وأوضحت أن الولايات المتحدة، مثل (إسرائيل)، لم تصادق على نظام روما الأساسي، وتخشى أن تشكل الإجراءات القانونية ضد نتنياهو وغالانت سابقة قانونية قد تُستخدم مستقبلًا لملاحقة مسؤولين أمريكيين على خلفية انتهاكاتهم الدولية، وهو ما يفسر موقفها الرافض لهذه التحقيقات.
واعتقدت الطبال أن الإدارة الأمريكية تريد الذهاب إلى ما هو أبعد من حظر التأشيرات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية؛ إذ ترمي إلى تشويه سمعة المحكمة نفسها وقطع وصولها إلى التمويل والخدمات. وأضافت أن إعلان حلفائها الأعضاء في المحكمة عدم اعترافهم بأوامر الاعتقال الصادرة وعدم الالتزام بتنفيذها يعد أمرًا صعبًا نظرًا لالتزام الدول الأعضاء بميثاق روما.
ورغم هذه التهديدات، أكدت الطبال أن العقوبات الأمريكية لا يُتوقع أن تؤثر بشكل مباشر على ملاحقة جنود الاحتلال على جرائمهم في غزة، حيث يوجد فائض من الأدلة الموثقة على ارتكاب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين الفلسطينيين، مما يعزز مسار العدالة الدولية رغم الضغوط السياسية.
وأكدت الباحثة في القانون الدولي أن لا حصانة لأي شخص يرتكب الجرائم المنصوص عليها في ميثاق روما الأساسي، وفقًا للمادة 27، التي تنص بوضوح على أن الصفات الرسمية، مثل المناصب الحكومية أو العسكرية، لا تمنح الحصانة من الملاحقة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وأوضحت الطبال أن كل ما قيل عن تمتع نتنياهو وغالانت بحصانة قانونية من الملاحقة القضائية هو غير صحيح من منظور القانون الدولي، الذي يقر مبدأ عدم الإفلات من العقاب في الجرائم الدولية الجسيمة، وهو مبدأ ثابت ومعتمد في جميع المحاكم الدولية.
وأشارت إلى أن المحكمة الجنائية الدولية معنية بمحاكمة الجرائم الكبرى، بما في ذلك الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، موضحةً أن التهم الموجهة ضد نتنياهو وغالانت تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بسبب الفظائع التي ارتُكبت في غزة.
اختصاص المحكمة
وعن اختصاص المحكمة، أوضحت الطبال أن المحكمة الجنائية الدولية تتبع مبدأين رئيسيين: الجنسية والإقليم. فإذا كان الجاني يحمل جنسية دولة عضو في ميثاق روما، يمكن محاكمته حتى لو ارتكب جريمة خارج أراضي تلك الدولة. أما إذا ارتكبت الجريمة على أراضي دولة عضو في المحكمة، فإن المحكمة لها اختصاص ملاحقة الجناة، حتى وإن كانوا من دول غير موقعة على الميثاق، مثل (إسرائيل).
ولفتت إلى أن فلسطين أصبحت عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2015، وبالتالي فإن الجرائم التي يرتكبها الإسرائيليون على أراضيها تظل ضمن اختصاص المحكمة.
وحول المحاكمات الدولية الأخرى، ذكرت الطبال أن الملاحقات القضائية ضد جنود الاحتلال تزايدت، إذ يمكن للدول التي تسمح قوانينها بمبدأ الولاية القضائية العالمية أو الشاملة ملاحقة ومحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة، سواء كانوا جنودًا يحملون جنسيتها أو يتواجدون على أرضها. وأشارت إلى تقديم شكاوى دولية ضد جنود الاحتلال في 13 دولة حول العالم.
وبينت أن (إسرائيل)، التي لطالما تصرفت وكأنها فوق القانون، تعيش اليوم حالة من 'الذعر القانوني'، مع تزايد هذه الدعاوى الدولية ضد جنودها، حيث باتت تحذر مواطنيها من مغادرة الكيان خوفًا من الملاحقات القضائية، كما حدث مؤخرًا مع بعض المسؤولين الإسرائيليين في البرازيل.
الخطوات المطلوبة
وفيما يتعلق بالخطوات المطلوبة لمواجهة هذا القرار الأمريكي، قالت الطبال إنه يجب على الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية أن تستمر في دعم المحكمة، وعدم السماح للضغوط السياسية أو القانونية أن تعيق عملها.
وأوضحت أن المحكمة الجنائية الدولية تمثل جزءًا من الحل في النزاعات الدولية، ويجب على الدول الأعضاء أن تلتزم بتعهداتها القانونية في دعم عمل المحكمة ومساعدة المدعي العام في جمع الأدلة وتقديم المسؤولين عن الجرائم إلى العدالة.
وأشارت إلى أن رفض الاحتلال السماح بدخول محققي المحكمة إلى أراضي غزة لا يمنع من وجود كم هائل من الأدلة التي تثبت الانتهاكات الخطيرة لنظام روما الأساسي. فالتقنيات الحديثة، مثل الصور الجوية والتسجيلات الإخبارية واللقطات الملتقطة عبر الأقمار الصناعية والاتصالات الموثقة والتوثيقات من قبل السكان، توفر مصادر كافية لتوثيق الجرائم. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمدعي العام مقابلة شهود وأشخاص نازحين أو ممن غادروا المنطقة إلى دول أخرى.
وفي حال رأى المدعي العام أن التهديدات الموجهة ضد المحكمة تتجاوز التصريحات السياسية وتصل إلى حد التأثير على نزاهة الشهود وعرقلة سير العدالة، فإنه يمكنه اللجوء إلى المادة 70 من نظام روما الأساسي، التي تسمح بملاحقة ومعاقبة أي شخص يحاول عرقلة عمل المحكمة أو التأثير على إجراءات التحقيق.
وشددت الطبال على أن 'أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنياهو وغالانت لا تسقط بمرور الزمن، وهذه الأحكام تشير إلى أن المحكمة متمسكة بمسار العدالة الدولي رغم الضغوط السياسية التي تتعرض لها'.