اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٦ تموز ٢٠٢٥
خرجت ماريا شيخ العيد، كغيرها من النساء اللواتي غادرن خيام النزوح، متجهات إلى مركز المساعدات الأمريكي، أو ما بات يُعرف شعبيًّا باسم 'مصائد الموت'، لكثرة المجازر المرتكبة فيه، على أمل أن يحظين بمعاملة 'رحيمة' نظرًا لخصوصية حالتهن كنساء، لكن الواقع كان امتدادًا لمآسي الرجال والشباب، بل ربما أكثر قسوة.
سارت ماريا مسافات طويلة بين تلال رملية وأبنية مدمرة، حتى أنهكها التعب قبل الوصول. ثم وقفت في طابور طويل تحت لهيب الشمس، تتصبب عرقًا في انتظار طرود لم تصل، ليُفاجأ الجميع بوجود بضع طرود فقط في ساحة المركز، لم تكفِ سوى لعدد قليل من السيدات. وعندما طُلب منهن العودة، فوجئن بعناصر الشركة الأمريكية يرشون الناس بغاز الفلفل، ويطلقون الرصاص عشوائيًّا. حاولت ماريا الاحتماء خلف مبنى مدمر، لكن إحدى الرصاصات أصابتها في الرأس عند الساعة الثالثة من عصر الخميس.
بصعوبة، تمكنت النساء المرهقات من حملها إلى مشفى الصليب الأحمر غرب مواصي رفح، ليفجع والدها الحاج أبو نعيم، الذي كان قد ودّع شقيقه قبل يوم إثر قصف على خيمة نزوح، وقبل أشهر ودّع ابنته الأخرى شهيدة.
فقد جديد
كانت ملاك (20 عامًا) وشقيقها سليمان (6 أعوام) ينتظران والدتهما بكيس من المساعدات يسد رمق المجاعة التي تعيشها العائلة منذ استشهاد والدهم، لكنها عادت إليهم في كفن.
يقول الحاج أبو نعيم: 'حين سمعت ماريا عن تخصيص يوم للنساء، ذهبت كونها أرملة شهيد، على أمل إحضار طعام لأطفالها الصغار. لكنها قُتلت برصاصة أحدثت فتحة كبيرة في الرأس، حسب شهود العيان، ما يدل على أنها من قناص أو دبابة'.
ويضيف لصحيفة 'فلسطين': 'قبل أسبوع، جمعت أولادي وطلبت منهم ألا يذهبوا لمراكز المساعدات، وقلت لهم: إذا امتنع الناس، سيتلقى الاحتلال والشركة الأمريكية صدمة. لكنها ذهبت رغم ذلك، وظل أولادها ينتظرونها على الطريق، وحين علموا باستشهادها، أغمي عليهم من الصدمة'. وبعد دفنها يوم الجمعة، عاد الأب إلى خيمته، لكن أبناءها ظلوا في المقبرة يبكون على قبرها.
ماريا، التي عاشت ظروفًا مادية صعبة، تبرعت لها جمعية بشقة قبل الحرب بعام، لكن الاحتلال دمّرها. ومنذ استشهاد زوجها في خيمة نزوح بخان يونس، عاشت مع أطفالها في عزلة وقهر، حتى رحلت في سعيها الأخير خلف طعام لم يصل.
مسنّة حاصرتها الدبابة
أما الحاجة 'أم إسماعيل' (64 عامًا) فلم يمنعها كِبر سنها من التوجه إلى مركز المساعدات، ظنًّا منها أن يوم النساء سيكون مختلفًا. انطلقت صباح الخميس من منطقة الإقليمي نحو 'الشاكوش' غرب رفح، وسارت مشيًا على الأقدام لساعات، لكنها عادت بخفي حنين، محملة بآلام الجسد وخيبة الأمل.
تقول لصحيفة 'فلسطين': 'وقفنا في طوابير طويلة، ولم نرَ سوى أربعة طرود حصلت عليها عشر نساء. ثم طلبوا منا المغادرة. وعندما اعترضنا، رشّونا بغاز الفلفل. احترق جسد ابنة شقيقي، وغابت الرؤية، وبدأ إطلاق الرصاص. سقطت النساء أرضًا من الخوف والتعب'.
رغم الألم، عادت الحاجة إلى خيمتها لتعد طعامًا، ثم رجعت عصرًا مجددًا إلى المركز مع نساء العائلة، لكنها فوجئت بإطلاق نار من دبابة تجاههن. احتمين خلف البيوت المدمرة ولوّحن بأكياس الطحين الفارغة للدبابة، في محاولة للنجاة، بينما بقيت ابنة أخيها محاصرة لساعتين حتى تمكنت من العودة.
تصف تلك اللحظات بأنها 'إهانة وذل'، وتقول: 'ذهبت لإحضار طعام لي ولزوجي، لا نملك شيئًا نأكله، ولم أتخيل أن أُذل بهذه الطريقة'.
وتتوالى تنديدات المنظمات الحقوقية الدولية بالجرائم المرتكبة في مراكز المساعدات المدعومة أمريكيًا وإسرائيليًا، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 900 فلسطيني أثناء بحثهم عن لقمة تسد رمقهم.