اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
خرج أسرانا في صفقة التبادل الأخيرة وهم لا يصدّقون أنهم قد نجوا من سيف ابن غفير، ولادة جديدة من رحم مدافن الأحياء. لا يخفى على أحد كيف رسم العذاب الشديد بكل ألوانه القاتمة على وجوههم، صبّ على رؤوسهم ابن غفير كل أحقاده، وأخرج لهم كلّ خبثه في ابتكار صنوف العذاب وفنونه الغريبة. أذاقهم لباس الجوع والرعب، والإهانة، وسحق أرواحهم بكلّ طرق الإذلال المقيتة، والبرد، والجوع، والخنق في غرف ضيّقة، ومحاصرتهم بالجرب، وإحاطتهم بكلّ ظروف الأوبئة دون علاج أو دواء. لقد اشتغلت مصلحة السجون خارج نطاق العالم البشري، وسلّطت على أسرانا كلّ أساليب العدوان والإجرام، وسحق كلّ ما من شأنه أن يشعرهم بأنهم بشر ولهم حقوق البشر.
وكذلك صورة جثامين الاسرى التي حرّرت وقد بدى عليها آثار التعذيب الهمجي والتي تدلّ على حجم العذاب الذي تعرّضوا له قبل أن يتمّ إعدامهم، ولن تبقى هذه الهمجية طيّ الكتمان إذ فضحتهم صور الجثامين وكشفت بالدليل القاطع أنه لا يوجد لديدهم أيّ اعتبار أخلاقي أو قانوني أو انساني، هذه عصابة فقد السيطرة على انسانيتها وذهبت بعيدا في عوالم الجريمة التي لا حدود لها.
ولا يحتار المراقب وهو يحلّل هذه الظاهرة في أن دوافعها هي روح الانتقام التي سيطرت عليهم، فلا يمكن لمجموعة بشرية تقيم كيانًا سياسيًا لها أو دولة إلا أن تصنع لنفسها صورة حضارية ولو من باب التمثيل الذي يخالف صورتهم الحقيقية. لم يعودوا حريصين على صورة حضارية لهم، فقد فجّرت حرب الإبادة صورتهم وأظهرتهم للعالم أنهم أبعد ما يكونوا عن أية صورة حضارية، وما هي إلا صورة عصابة تتقن التوحّش والجريمة. وهكذا في سجونهم انفلت عقالهم، وصارت الصورة التي من الممكن أن يمثّلوها للناس خلف ظهورهم، وهذا دليل قاطع على أنهم قد انحطّوا إلى أسفل سافلين، وقد أعمتهم شهوة الانتقام المزروعة في أعماقهم عن رؤية هذه الصورة التي وصلوا إليها.
سيطرة روح الانتقام إذ أخرجت كلّ الخراب الذي بُنيت عليه نفوسهم، إذ لو كانت دواخلهم جميلة أو فيها بقايا جمال لما وصلوا إلى هذه الدرجة من الانحطاط. ومن مظاهر خراب نفوسهم حالة الهلع وعقدة النقص، أو مجموعة من عقد النقص التي سيطرت على تصرفاتهم، فالسابع من أكتوبر كشف زيف جبروتهم، وأن مجموعة صغيرة يمكن أن تهزمهم وتخترق حصونهم. هذا أعادهم إلى عقدة النقص والخوف من المستقبل والمصير وشرعية بقائهم في مستنقعٍ معادٍ لهم. عادت لهم عقدة نبذ الشعوب لهم، وأن الناس أجمعين يعادونهم ويكرهونهم. الشعور بالضحية يكوي أرواحهم ويحوّلهم إلى مجرمين متوحّشين، يخرج كلّ ما فيهم من حقدٍ وروحٍ شريرة، ويحوّل هذا الشعور بالضحية إلى ساديةٍ مفرطةٍ على الأغيار.
وهذا مما يفسّر استفرادهم بالأسرى، وإطلاق كلّ ما في نفوسهم من حقدٍ وتوحّش. ماذا يعني أن يأتي ابن غفير إلى السجن ليعربد على أسرى أسطول الحرية الذين أُطلِق سراحهم وتحوّلوا إلى سفراء لنقل هذه الصورة البائسة إلى كل أنحاء العالم؟ عملٌ جنونيٌّ متهوّر، ولكن ما في صدره من حقدٍ يعميه عن رؤية مصلحته ومصلحة بلده.
سينقل الأسرى المحررون صورة هذا التوحّش وهذه العذابات التي لم تسبق أن عرفتها السجون، ولا أية سجون في العالم. وسيفتحون هذا الملف على مصراعيه، خاصة الذين أُبعِدوا خارج حدود الوطن. يجب أن لا تقتصر المسألة على التقارير الإعلامية التي سرعان ما تهدأ وتذروها رياح الملفات السياسية التي تطغى عليها. يجب أن يصنعوا حراكًا عالميًا ممنهجًا يعمل خارج الصندوق التقليدي القديم. في جعبة كلّ أسير عشرات القصص التي من الممكن أن تتحوّل إلى أفلامٍ سينمائيةٍ عالمية. لقد أخرجوا من سجون ابن غفير ثروةً عالميةً من الجرائم الإنسانية، من الممكن أن تتحوّل إلى ثورةٍ عالميةٍ تسجنهم في سجونٍ أضيق من سجونهم.
أمام الأسرى المحررين مهامّ عظيمة لإنقاذ تلك الأرواح التي بقيت في سجون ابن غفير وما زالت تقطر ألمًا وقهرًا ودمًا.