ميناء غزة يتحول إلى ملجأ لآلاف النازحين هربًا من أوامر الإخلاء الإسرائيلية

على أرضية إسمنتية متشققة، بجوار قارب صيد محترق، تجلس أم خالد الغرباوي تحت قطعة قماش ممزقة مشدودة بين عمودين صدئين في ساحة ميناء غزة. تحتضن طفلها الرضيع، في حين يحاول أطفالها الآخرون اللعب بين الخيام المهترئة المتناثرة حولهم. المشهد هنا ليس سوى جزء من مأساة أكبر يشهدها قطاع غزة، إذ يُجبر عشرات الآلاف من النازحين على العيش في العراء بعد تلقيهم أوامر إخلاء فورية من جيش الاحتلال الإسرائيلي.

الميناء، الذي كان يومًا ما مكانًا للترفيه والعمل للصيادين، تحوّل إلى ملاذ مؤقت لآلاف النازحين من بين 300,000 نازح قسري من شمال غزة إلى مدينة غزة خلال الأيام الأخيرة، وفقًا لتقديرات حكومية فلسطينية. لكنه ملاذ بلا أساسيات الحياة: لا ماء نظيف، ولا كهرباء، ولا مراحيض، ولا غذاء كافٍ. تقول أم خالد، التي فرت من حي السودانية شمال غزة بعد إنذار إسرائيلي: 'هربنا من القصف، ووجدنا أنفسنا في الجوع والعراء. قالوا لنا: اتركوا منازلكم، لكنهم لم يخبرونا إلى أين نذهب'.

مدينة خيام

وسط القوارب المدمرة والأرصفة المتآكلة، انتشرت مئات الخيام العشوائية المصنوعة من أقمشة بالية. أبو وائل البواب، نازح من حي الكرامة، يصف الوضع بأنه 'نكبة جديدة'، قائلاً: 'نعيش في ظروف لا تليق بالبشر. لا منظمات إغاثة، ولا حكومة تسأل عنا'.

وتشير تقديرات منظمة الهجرة الدولية إلى نزوح أكثر من 610,000 شخص في غزة منذ انقلاب حكومة الاحتلال على اتفاق وقف إطلاق النار في مارس الماضي. وتذكر تقارير محلية أن أكثر من 1000 منزل دُمر كليًا أو جزئيًا في شمال غزة وحدها خلال 48 ساعة، مما زاد من أزمة النزوح.

تحذر منظمات الإغاثة من كارثة صحية تلوح في الأفق، مع انتشار أمراض جلدية وتنفسية وإسهال حاد بين الأطفال بسبب نقص المياه النظيفة والازدحام الشديد. المتطوع عبود السيد، الذي يعمل في توزيع سلال غذائية، يقول خلال تواجده في الميناء أثناء إعداد التقرير: 'نحاول تقديم ما نستطيع، لكن الاحتياجات أكبر من أي جهد. لا أحد يدير هذا المكان، الناس تُركوا لمصيرهم'.

لم يكن الميناء ملجأً للنازحين فحسب، بل كان أيضًا مصدر رزق لآلاف الصيادين الذين فقدوا مهنتهم بسبب الحرب. نزار عياش، رئيس نقابة الصيادين في غزة، يقول بمرارة: 'الميناء كان قلب حياتنا، والآن أصبح مقبرة لذكرياتنا. أكثر من 4000 صياد عاطلون عن العمل، وبعضهم يعيش الآن في الخيام بين الحطام'.

ويضيف عياش لـ 'فلسطين أون لاين': 'تدمير الميناء حرم الناس من مصدر غذائي مهم، وزاد معاناة النازحين الذين يبحثون عن لقمة خبز'. ورغم ذلك، يتمسك بالأمل في عودة الحياة إلى الميناء بمجرد انتهاء الحرب.

البحر.. الملجأ الأخير

على الرغم من عدم صدور أوامر إخلاء رسمية للميناء حتى الآن، فإن النازحين يعيشون في خوف دائم من تكرار سيناريو القصف الذي طال مناطق آهلة سابقًا. تقول هناء أبو سلطان، إحدى النازحات: 'إذا قصفوا هنا، فلن يكون أمامنا إلا البحر ملجأً'.

قبل الحرب، كان الميناء وجهة للعائلات لتناول السمك الطازج والاستمتاع بمنظر الغروب. اليوم، تحوّل إلى رمز للمعاناة. محمود زيدان، صياد منذ 50 عامًا، يشير إلى قاربه المدمر تحت جنازير الدبابات الإسرائيلية، قائلاً: 'كنت أعيل أسرتي من هذا البحر، والآن أصبحت خيمة النزوح بيتي. السؤال الوحيد الذي يشغلنا جميعًا: هل سنخرج من هنا أحياء؟'.