اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
تُظهر ثلاثة استطلاعات رأي أُجريت في الكيان الصهيوني، (ونُشرت يوم الجمعة 24/10/2025)، من قبل صحيفتي معاريف و'يسرائيل هيوم'، و'القناة 12' العبرية، صورة مركّبة للمجتمع الإسرائيلي بعد مرور عامين على عملية “طوفان الأقصى” وحرب الإبادة على قطاع غزة، وما تبعها من أزمة سياسية وأمنية داخلية.
وبالرغم من اختلاف الجهات المنفذة ومواضيع الأسئلة، فإن القاسم المشترك بينها هو تآكل الثقة بالقيادة السياسية، واستمرار القلق الأمني، وانعدام الحسم السياسي، وهو ما سوف نسلط الضوء عليه في السطور التالية:
أولاً: المؤشرات الرئيسة المستخلصة من الاستطلاعات:
1. تزايد القلق الأمني وفقدان الثقة بالحلول الدولية
استطلاع معاريف أظهر أن 58% من الإسرائيليين يتخوفون من دخول قوات دولية إلى غزة ضمن أي خطة لوقف النار، خشية أن يحدّ ذلك من قدرة الجيش على 'القضاء على حماس'.
يعكس هذا الرقم نزعة قومية أمنية متشددة في الرأي العام، ترفض تدويل الملف الفلسطيني، وتؤكد استمرار الاعتقاد بأن الأمن الإسرائيلي يجب أن يبقى بيد الجيش وحده دون تدخل خارجي.
كما يشير إلى فشل الحكومة في إقناع الجمهور بجدوى المسارات السياسية أو الدولية بعد الحرب.
2. انعدام الثقة بالحكومة والمطالبة بمحاسبة قياداتها
كلا من استطلاعي 'معاريف' و'يسرائيل هيوم' أظهرا تطابقاً لافتاً في الموقف من تشكيل لجنة تحقيق رسمية مستقلة في إخفاقات 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، حيث أيدها 64% من المستطلَعين.
وهذا يعكس حالة غضب جماهيري عميق تجاه المؤسستين السياسية والعسكرية، وتحديداً تجاه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، الذي يرفض تشكيل لجنة قضائية مستقلة ويفضل لجنة حكومية خاضعة له.
بمعنى آخر، هذه النسبة تعبّر عن نزعة محاسبة داخلية واعتراف شعبي بأن الإخفاقات لم تُعالج بعد، وأن الثقة بالقيادة العليا ما زالت متدهورة.
3. انقسام حول نتائج الحرب وصمود وقف النار
بحسب 'يسرائيل هيوم'، فإن 62% من الإسرائيليين لا يعتقدون أن وقف إطلاق النار في غزة سيصمد، فيما يرى 37% فقط أن 'إسرائيل' انتصرت في الحرب مقابل 34% يعتقدون أنها هُزمت.
تكشف هذه الأرقام أن شعور الانتصار غائب عن المزاج العام الإسرائيلي، وأن الجمهور يعيش حالة إحباط استراتيجي، إذ لم يتحقق لا الأمن الدائم ولا الردع الكامل.
وبذلك، يمكن القول إن المجتمع الصهيوني بات يتعامل مع الحرب كـملف مفتوح لم يُحسم بعد؛ ما يفسر استمرار الدعم الواسع للتحقيقات والمساءلة.
4. تراجع مكانة نتنياهو وتآكل شرعية قيادته
استطلاع 'القناة 12' أظهر أن 52% من الإسرائيليين يعارضون ترشح نتنياهو للانتخابات المقبلة (سنة 2026)، مقابل 41% يؤيدون ذلك، في حين 7% بلا رأي.
كما أشار إلى أن نصف مؤيدي اليمين لا يعرفون من يمكن أن يخلفه، وهو مؤشر مزدوج:
• من جهة، تراجع الثقة بنتنياهو شخصياً، وتعب الجمهور من بقائه الطويل في السلطة.
• ومن جهة أخرى، غياب البديل الواضح داخل معسكر اليمين، ما يفسر استمرار نتنياهو في الحكم رغم ضعف شعبيته.
هذه النتائج تؤكد أن الكيان (الائتلاف الحاكم والأحزاب المعارضة) يعيش فراغاً قيادياً نسبياً، وأن أزمة القيادة ليست محصورة في نتنياهو، بل تشمل المعسكر السياسي بأكمله.
5. توازن انتخابي هشّ واستقطاب داخلي
تُظهر أرقام معاريف الخاصة بنوايا التصويت أن أي معسكر (الائتلاف أو المعارضة) لا يستطيع تشكيل حكومة مستقرة لو أجريت الانتخابات اليوم:
• معسكر المعارضة: 59 مقعداً.
• معسكر الائتلاف: 50 مقعداً.
• الأحزاب العربية: 11 مقعداً (قد تصل إلى 12 إذا خاضت الانتخابات بقائمة موحدة).
هذا يعني أن الاستقطاب السياسي ما يزال عميقاً، وأن الكيان الصهيوني في حال انتخابات جديدة سيواجه حكومة مشلولة أو ائتلافاً ضعيفاً.
كما أن صعود أحزاب جديدة مثل حزب بينيت (19 مقعداً) وحزب الديمقراطيين (12 مقعداً) يعكس تبدّل الولاءات داخل التيار اليميني والعلماني معاً.
ثانياً: تحليل الاتجاهات العامة:
1. الأمن والسياسة الخارجية: خوف من تدويل الصراع، تفضيل الحل العسكري الذاتي.
2. الثقة بالقيادة: تراجع كبير في الثقة بنتنياهو والائتلاف الحاكم.
3. المحاسبة والمسؤولية: دعم واسع للتحقيق القضائي المستقل.
4. المزاج العام بعد الحرب: إحباط، تشاؤم، وغياب شعور الانتصار.
5. النظام السياسي: انقسام حاد، غياب الأغلبية، واستمرار الجمود الحزبي.
ثالثاً: دلالات أعمق:
1. التحول من الإجماع الأمني إلى الشكّ الذاتي:
لأول مرة منذ سنوات، لا يظهر إجماع حول النصر أو الثقة بالمؤسسة العسكرية، بل أسئلة وجودية عن أداء الجيش والاستخبارات.
2. بداية نهاية حقبة نتنياهو:
بالرغم من عدم وجود بديل واضح، إلا أن أكثر من نصف الإسرائيليين لم يعودوا يرونه قائداً شرعياً للمستقبل، وهي نقطة تحوّل في الوعي السياسي الإسرائيلي.
3. تأثير حرب غزة على الداخل الإسرائيلي:
لم تعد الحرب قضية خارجية فحسب، بل باتت محور انقسام داخلي يهدد تماسك النظام السياسي والاجتماعي.
4. تآكل صورة “الردع الإسرائيلي”:
الشعور بعدم الحسم وغياب الانتصار العسكري أضعف ثقة الجمهور بقدرة الكيان على فرض إرادته بالقوة، ما ينعكس على نظرتها إلى مفاوضات وقف النار والقوات الدولية.
ختاماً:
تكشف استطلاعات الرأي الثلاثة أن الكيان الصهيوني يمرّ بمرحلة إعادة تعريف ذاتي بعد طوفان الأقصى، وأنه بعد عامين من حرب الإبادة، يعاني من أزمة داخلية ويعيش في مرحلة شك بالنسبة لأمور وقضايا مصيرية استراتيجية، فلا نصر حاسم، ولا قيادة تمتلك إجماع شعبي، مع تآكل الردع والشرعية الدولية؛ وهو ما يعكس عمق الزلزال الذي أحدثته عملية طوفان الأقصى وحرب الإبادة، في البنية السياسية والنفسية للمجتمع الصهيوني.

























































