اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الثاني ٢٠٢٥
الكاتب:
معتصم حمادة
في رد منه على سؤال إحدى الفضائيات عن معاني وقف إطلاق النار في قطاع غزة، وتسليم حماس سلاحها، ومنعها من المشاركة في أية سلطة قد تنشأ في غزة، علق أحد الزملاء بأن ما جرى حرر شعب قطاع غزة من قيود حركة حماس، وأطلق حريته ليبني مستقبله بعيداً عن كل أشكال «الإرهاب» (حسب توصيفه).
ولما سئل عن تقديره لما سوف يكون، عبر عن «قلقله» أن تنتقل حماس للعمل في الضفة الغربية، ما سوف يبرر للإحتلال تدمير الضفة على غرار تدميره للقطاع، وإلحاق الكوارث في الضفة كما ألحقها في القطاع.
لا شك في أن الزميل المذكور، ما كان إلا واحداً من عشرات من أصحاب الأقلام والأعمدة والتحليلات على الفضائيات، يرددون، ما قاله في انسجام تام بينهم وبينه، مع الإعلام الرسمي للسلطة الفلسطينية في مناصبة حركة حماس العداء، والمقاومة وفصائلها، في تغاضي أعمى عن حقائق مشروع الاحتلال وأهدافه، وفي محاولة مشينة لتحميل المقاومين من أبناء الشعب الفلسطيني مسؤولية ما يلحقه الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني من أضرار مادية واقتصادية وقتل وتدمير، وفي دعوة ساذجة (بل وواعية إلى نبذ كل أشكال الصدام مع الاحتلال، والتعامي عن أعماله، وإغماض العينين عن جرائمه، وسد الآذان عن آلام شعبنا تحت ضرباته المروعة، واختصار الحل بالرهان على مشاريع، قد تأتي من فرنسا أو الولايات المتحدة، أو بعض العواصم العربية، في انسياق تام مع وصفة الإصلاح التي قدمتها الولايات المتحدة، ومعها الإتحاد الأوروبي وبعض عواصم العرب، كشرط لازم وطريق إلزامي لتأهيل السلطة الفلسطينية، لتكون جديرة بتولي مسؤوليات تنسجم مع مخططات «إعادة هندسة الشرق الأوسط»، وإنهاء الحرب في المنطقة وفقاً لرؤية ترامب، التي يختصرها بـ«السلام الإبراهيمي»، وهو تعبير حافل بالمعاني الإستعمارية المغلفة بعبارات منمقة، تحاول أن تدغدغ الرغبة بالسلام، من خلال «مصالحة تاريخية» لأبناء إبراهيم، الذين انجرفوا في حروب عبثية على مدى 8 قرون كحد أدنى، جاء ترامب بعدها لينقذهم من ويلات حروبهم، الأمر الذي يتطلب إعادة صياغة تاريخ المنطقة، ليس فيه أي ذكر للاستعمار الأوروبي منذ غزوات الإفرنجة، وأطماع سايكس – بيكو ووعد بلفور والانتداب البريطاني في فلسطين، والفرنسي في لبنان، ولا ذكر فيه لحلف بغداد، ولا لاحتلال الأطلسي لدول الخليج للاستيلاء على ثرواتها الدفينة، أو لغزو العراق، لاستكمال هزيمة انفراط عقد الاتحاد السوفييتي، ولا كذلك لمؤتمر مدريد، ومباحثات واشنطن، أو اتفاق أوسلو، الذي ما زلنا نعاني ويلاته وكوارثه، وتمسك القيادة الرسمية بقيوده وكأنها حلى تزين معصميها، فضلاً عن الكارثة الوطنية الكبرى في نكبة 1948 على يد الإستعمار الغربي والمشروع الصهيوني.
لن نذهب أبعد في تفسير تحركات ترامب ورؤيته، بل نعود إلى ما يدور في الضفة الغربية، حيث تشن قوات الاحتلال ومعها آلاف المستوطنين حرباً موصوفة، متكاملة الأركان، تطال الثروة الزراعية والحيوانية، بالنهب والتدمير، وإبادة المخيمات والمدن والقرى والبلدات والاعتقالات الجماعية، والقتل على الشبهة بدم بارد، ويستمر جرف الأراضي لتوسيع المستوطنات القائمة، ومصادرة المزيد من الأرض لإقامة مستوطنات جديدة، وشقّ طرق إلتفافية يحرّم على الفلسطينيين سلوكها، وعبر أكثر من ألف حاجز وبوابة لتقطيع أوصال الضفة الغربية، في تمرين إستعماري لما سيكون عليه مستقبل الضفة في ظل «حل الدولتين»، الذي يتحاشى ترامب ذكره في خطابه، ويتحدى نتنياهو العالم حين يصر على رفضه قيام دولة فلسطينية «إرهابية» بين النهر وإسرائيل.
ربما يتحاشى زميلي مصافحة الواقع والتصالح معه، خاصة وأنه ممن يعتبرون أنفسهم أبناء المشروع السياسي للسلطة، فلا يجرؤ على القرار الشجاع ليعترف أن المسؤولية تقع على الاحتلال ومشروعه، وليست على حماس والمقاومة، وأن تهمة الإرهاب وفق المعايير الإسرائيلية تطال كل فلسطيني.
حماس وفصائل المقاومة لم تنتقل إلى الضفة الغربية، كما كان زميلي يتخوف.
لكن أعمال التدمير والتجريف والحرق والقتل والاعتقال على يد قوات الاحتلال، لم تتوقف في الضفة، بل زادت نيرانها سعيراً باعتراف المؤسسات الدولية.
أعتقد أن زميلي يعيش الآن أزمة سياسية جادة، فهو فقد أوراقه في مناصبة حماس والمقاومة العداء، خاصة وأن المجتمع الدولي فشل في تجاهل الدور الفاعل للمقاومة في صنع مستقبل القطاع، وإذا كان زميلي قد تهيأ ليشمت بالمقاومة وهي تسلم سلاحها لإسرائيل، فإن صلابة موقف المقاومة حرمه هذه الشماتة.
وإذا كان زميلي قد تحضر ليشمت بأبناء المقاومة وهم يستسلمون لإسرائيل ولقوة الاستقرار في قطاع غزة أذلاء، فإن الوقائع خيّبت آماله وأفشلت شماتته.
وعلى زميلي المذكور أن يصارح نفسه وأن يجيب على أسئلة الواقع الحقيقي:
كيف السبيل للتصدي للحرب التي يشنها المستوطنون ضد الريف الفلسطيني؟
كيف السبيل لحماية المدن والبلدات والقرى من غزوات جيش الاحتلال المتكررة بين يوم وآخر؟
ما السبيل لوضع حد للحواجز والبوابات التي حولت مدن الضفة وقراها وبلداتها ومخيماتها إلى معتقلات جماعية؟
يا زميلي … أنت تصر دوماً على أن تقدم نفسك باعتبارك من المتحدثين باسم السلطة، فهل تساعدني، أيها الزميل العزيز، في الرد على هذه التساؤلات؟■

























































