اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٧ تموز ٢٠٢٥
في خطوة تحمل رمزية سياسية، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عزمه الاعتراف بالدولة الفلسطينية خلال سبتمبر المقبل، في محاولة لإعادة استعادة الدور الفرنسي المتراجع على الساحة الدولية. إلا أن هذه المبادرة تواجه تحديات جسيمة تقف حجر عثرة أمام تحقيق تأثير عملي ملموس، تجعل من الاعتراف الفرنسي خطوة محدودة الأثر على الأرض.
الخبير في الشؤون الأوروبية محمد بركان، يقول إن ماكرون يحاول من خلال هذه المبادرة استعادة وزن فرنسا الدولي بعد أن تراجع بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة.
فباريس باتت مهمشة في ملفات الشرق الأوسط، وصوتها غائب عن النقاشات الدولية الأساسية. ويعد تأجيل المؤتمر الدولي حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، والذي كان سيضم السعودية، مؤشراً على هذا الغياب الفرنسي.
ويؤكد بركان لصحيفة 'فلسطين'، أن التصريحات الفرنسية تأتي كمحاولة لترميم صورة أوروبا السياسية، التي باتت تتبع الموقف الأمريكي في أغلب الملفات، من الملف النووي الإيراني إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ويتابع، ماكرون رغم حديثه عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، يعلم أن أوروبا كاتحاد ليست قادرة على اتخاذ هذا القرار بالإجماع، بسبب انقساماتها الداخلية.
الاعتراف بفلسطين ليس فقط مسألة خارجية، وفق بركان، بل هو أيضا مرآة للانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي، فمن جهة، توجد دول مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج التي بادرت للاعتراف، وربما تلحق بها بلجيكا لاحقاً، ومن جهة أخرى، تقف دول مثل ألمانيا وهولندا وبلغاريا موقفا معارضا بسبب انحيازها الواضح لـ(إسرائيل).
هذه التباينات، كما يشير بركان، تمنع الاتحاد الأوروبي من اتخاذ موقف موحد، وتجعل من الموقف الفرنسي، رغم رمزيته، خطوة محدودة التأثير. وفي ظل الصراعات الداخلية الأوروبية، لا يتوقع أن تتقدم مبادرات كهذه على حساب الملفات الأكثر أولوية داخليا بالنسبة للأوروبيين.
الضغط الأمريكي والتبعية السياسية
وأشار بركان إلى الانتقاد الحاد الذي وجهه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لماكرون، وتقليله من أهمية تصريحات الرئيس الفرنسي، مشيرا إلى أن كلامه لا يساوي شيئا. هذا الموقف يعكس بوضوح كيف تنظر الولايات المتحدة للدور الأوروبي، وخاصة الفرنسي، على الساحة الدولية.
ويرى أن فرنسا، كغيرها من دول أوروبا، ما زالت تدور في فلك السياسات الأمريكية، سواء عبر الحماية العسكرية في إطار الناتو أو من خلال التأثير الواسع للوبيات المؤيدة لـ(إسرائيل) داخل عواصم القرار الأوروبية. هذه التبعية تقوض الاستقلال السياسي وتجعل من المواقف الفرنسية، في كثير من الأحيان، غير قابلة للتنفيذ العملي.
الرغبة في استعادة الريادة
ويعتقد الخبير في الشؤون السياسية الدكتور جهاد حرب، أن تعهد ماكرون يشكل محاولة جدية لاستعادة موقع فرنسا الريادي في الشرق الأوسط، وهو يتقاطع مع دور تاريخي لطالما لعبته باريس في هذا الملف. لكن ما يميز هذا التعهد، هو توقيته، إذ يأتي بعد تصعيد إسرائيلي غير مسبوق في الضفة الغربية ومحاولات قانونية لضمها بشكل رسمي.
ويضيف حرب، ماكرون في خطابه المرتقب أمام الجمعية العامة، لا يسعى فقط لتسجيل موقف، بل لمحاولة كسر الجمود الغربي حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإعادة إحياء خيار الدولتين كحل دولي توافقي.
ويتابع القول، باعتبار فرنسا دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، فإن هذه الخطوة تحمل، على الأقل نظريا، وزنا دبلوماسيا يمكن أن يشجع دولاً أخرى على اتخاذ مواقف مشابهة.
نتائج محدودة على الأرض
رغم الطابع الرمزي القوي لهذا الموقف، إلا أن نتائجه العملية على الأرض تبدو محدودة. فكما يؤكد بركان، هناك أكثر من 130 دولة اعترفت بدولة فلسطين، ومع ذلك فإن ذلك لم يغير من واقع الاحتلال شيئا.
ويقول بركان، الضفة الغربية لا تزال تحت سيطرة الاحتلال، مع أكثر من 800 ألف مستوطن يعيشون في مستوطنات غير شرعية، ما يجعل الحديث عن قيام دولة فلسطينية في السياق الحالي شبه مستحيل. وحتى لو حصل الاعتراف الفرنسي، فإن الواقع السياسي والعسكري على الأرض يعطل أي إمكانية فعلية لتطبيق هذا الاعتراف.
ويستدرك بركان بالقول، رغم الانتقادات الفرنسية المتكررة لسياسات الاحتلال الإسرائيلي، خاصة في قطاع غزة، فإن العلاقات الاستراتيجية بين باريس وتل أبيب من غير المرجح أن تتأثر بشكل جذري. عازيا ذلك إلى وجود مصالح اقتصادية وأمنية تربط البلدين، إضافة إلى الضغط المتواصل من جماعات الضغط الموالية لإسرائيل داخل فرنسا نفسها.
تأثير داخلي فلسطيني
ويرى حرب أن الموقف الفرنسي لا يخلو من أثر غير مباشر، خاصة على الساحة الفلسطينية الداخلية. موضحا أن التعهد الفرنسي قد يحمل رسالة ضمنية بضرورة إصلاح البيت الفلسطيني من الداخل. ففرنسا، إن أرادت دعم الدولة الفلسطينية، فإنها تشترط ضمنا قيام مؤسسات ديمقراطية حقيقية، واحترام سيادة القانون، وتجديد الشرعيات عبر الانتخابات.
يعتقد الخبيران، أن خطوة الاعتراف إن تمت ستكون أشبه بتسجيل موقف سياسي أكثر منها تحولا حقيقيا في العلاقة بين فرنسا و(إسرائيل).