اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
يقف خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري في قلب مواجهة جديدة تعكس حجم التحوّل في سياسة الاحتلال تجاه القدس والمسجد الأقصى. فبعد عقود من حضوره خطيبًا ومفتيًا ومرجعًا دينيًا واسع التأثير، يجد الرجل نفسه أمام محكمة إسرائيلية تلاحقه باتهامات تتعلق بمواقفه وزياراته الاجتماعية، في مشهد يكشف طبيعة الصراع على الأقصى باعتباره صراعًا على السردية والهوية والسيادة.
تأتي هذه المحاكمة في سياق تصعيد واضح ضد الشخصيات الدينية المؤثرة داخل القدس، حيث تشير تقارير حقوقية إلى أن الاحتلال كثّف خلال السنوات الأخيرة سياسات إبعاد الخطباء، ومنع رموز دينية من دخول الأقصى، وفتح ملفات تحقيق بحق شخصيات لها حضور جماهيري كبير.
وقد سُجّل خلال العامين الأخيرين أكثر من 180 قرار إبعاد عن الأقصى، معظمها طالت شباناً وناشطين، بينما استهدفت إجراءات أكثر حدّة قيادات دينية بارزة، وفي مقدمتهم الشيخ صبري الذي يتعرض منذ سنوات لاستدعاءات متكررة وتقييد في الحركة وتهديدات استيطانية مباشرة.
والشيخ عكرمة، الذي وُلد عام 1939 وتولى منصب المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية عام 1994، يعدّ أحد أقدم الخطباء الذين صعدوا منبر الأقصى لأكثر من سبعين عامًا، وشكّل بتوازنه الخطابي وحضوره المتواصل جزءًا من ملامح الحياة الدينية في القدس. وقد عرفه المقدسيون بطريقته الواضحة في الربط بين الهوية الدينية والواجب الوطني، وبموقفه الصارم في رفض تغيير الوضع القائم في الأقصى أو المساس بهويته الإسلامية.
ويقول المحامي المقدسي مدحت ديبة، إن الشيخ صبري يتعرّض منذ سنوات لحملة منظمة تقودها مجموعات استيطانية، وصلت حدّ التحريض المباشر على حياته ونشر إحداثيات منزله في حي الصوانة بهدف استهدافه. ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ صدر بحقه قرارا هدم إداري وقضائي لمنزله، في محاولة واضحة للضغط عليه وإضعاف دوره الاجتماعي والديني.
ويضيف ديبة لصحيفة 'فلسطين'، أن الشيخ استُدعي للتحقيق مرات عديدة تجاوزت 11 مرة، لمجرّد قيامه بواجبات اجتماعية تقليدية في المجتمع الفلسطيني، مثل تقديم العزاء لذوي الشهداء.
وتستند لائحة الاتهام الموجهة له إلى ثلاث تهم، جميعها مرتبطة بزيارات تعزية أو مواقف دينية: الأولى تقديم واجب العزاء في الشهيد عدي التميمي في قرية عناتا، والثانية تعزية عائلة خازم في جنين، والثالثة نعي رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس إسماعيل هنية بصفته عضوًا في رابطة علماء فلسطين.
ويعتبر ديبة أن هذه الاتهامات تندرج تحت 'التجريم السياسي' لا الجنائي، إذ تحاول نيابة الاحتلال اعتبار العزاء أو النعي شكلاً من أشكال دعم المقاومة، رغم أن هذه الممارسات تُعدّ جزءًا من الأعراف الاجتماعية والدينية في المجتمع الفلسطيني.
ويشير ديبة إلى أن الفريق القانوني طالب بالحصول على كامل الأدلة والمواد التي تستند إليها النيابة، إلا أن جزءًا من هذه الأدلة أخفي عمداً، وهو ما يعكس – وفق قوله – نية مسبقة لإدانة الشيخ لا محاكمته بصورة عادلة.
ويرى أن استهدافه يُعد استهدافًا لـ'المنظومة الإسلامية في فلسطين'، خصوصًا أنه يشغل موقع المرجعية العليا لهيئة علماء المسلمين في فلسطين، ورئيس المجلس الاستشاري الأعلى في القدس، وصعد المنبر في الأقصى لأكثر من سبعين عامًا.
من جانبه، يقدّم رئيس أكاديمية الشهاب المقدسية أمجد الشهاب، قراءة سياسية أوسع للمحاكمة، معتبرًا أنها تأتي ضمن استراتيجية تهدف إلى تفريغ القدس من رموزها الدينية المؤثرة.
ويقول الشهاب لـ 'فلسطين'، إن استهداف الشيخ صبري هو 'عملية جس نبض' لتقدير ردود الفعل قبل توسيع نطاق استهداف القيادات الدينية، بما يخدم محاولة السيطرة على الخطاب الديني داخل المسجد الأقصى.
ويرى الشهاب أن المحاكمة تمثّل خطوة باتجاه 'إعادة تشكيل الوضع القائم'، إذ تسعى سلطات الاحتلال إلى إزالة المرجعيات التي تمتلك حضانة شعبية وقدرة على تعبئة الناس ضد سياسات التهويد.
ويضيف أن استهداف الشيخ يدخل ضمن 'معركة الرواية الرمزية'، التي تهدف إلى ضرب الروح الشعبية للمقدسيين، وإضعاف قدرتهم على الصمود، وإفساح المجال أمام مخططات الانتقال من التقسيم الزماني إلى التقسيم المكاني للأقصى، تمهيدًا لتحقيق الهدف الأوسع وهو 'تهيئة الظروف لبناء الهيكل المزعوم'.
أما على المستوى الشخصي، فالشيخ عكرمة صبري معروف بمواقفه الثابتة، وخطابه الديني الوطني، وقدرته على الحفاظ على علاقة مباشرة مع الناس داخل القدس.
ورغم سنّه المتقدم، لا يزال يحظى بحضور واسع واحترام كبير، بصفته شخصية جامعة تدعو دائمًا للوحدة والتعاضد، وتدافع بقوة عن قدسية المسجد الأقصى.
في المحصلة، تبدو محاكمة الشيخ صبري حلقة في سلسلة طويلة من الإجراءات الإسرائيلية لاستهداف الرموز الدينية في القدس، ومحاولة لإعادة تشكيل الحقل الديني بما يخدم مشاريع السيطرة والتهويد.

























































