اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
ثلاث عمليات نوعية نفذت من ثلاث جبهات متباعدة جغرافيا، لكنها متقاربة في التوقيت والدلالة، ضربت العمق الإسرائيلي وأربكت منظومته الأمنية، في يوم واحد حمل إشارات صريحة إلى فشل مشروع الردع وتآكل صورة التفوق العسكري الإسرائيلي.
من معبر الكرامة شرقا، إلى رفح جنوبا، وصولا إلى الضربات الجوية القادمة من اليمن، تلقت دولة الاحتلال الإسرائيلي ضربات متزامنة الخميس الماضي شكلت ضغطا مركبا على مؤسساتها الأمنية والعسكرية، وكشفت عن واقع جديد تتشكل فيه جبهة إقليمية متعددة المصادر، لكن موحدة في الهدف، يتمثل في إضعاف قدرة الاحتلال على التحكم بالميدان.
ووفق خبراء في الشؤون العسكرية، فإن هذه العمليات على تنوعها في الشكل والمنفذين، التقت في المضمون، وأعادت التأكيد على أن المواجهة مع الاحتلال لم تعد حكرا على الساحة الفلسطينية، بل تحولت إلى صراع عربي–إسرائيلي متجدد، يمتد من قلب الضفة الغربية إلى ساحل البحر الأحمر، ويتحدى ما تعتبره إسرائيل 'حدود أمنها القومي'.
ويؤكد الخبراء، أن توقيت هذه العمليات، وتزامنها، ورسائلها الرمزية، كلها تشير إلى تحول في قواعد الاشتباك الإقليمي، وإلى مرحلة جديدة من المواجهة تقودها أطراف مختلفة، لكنها تتفق ضمنيا على ضرورة وقف الاندفاعة الإسرائيلية، وكبح جماح مشروع الهيمنة الذي تحاول حكومة نتنياهو فرضه في المنطقة.
'الكرامة'.. عملية تهز 'حدود الأمن'
في بداية يوم الخميس، فوجئ الاحتلال بعملية فدائية نفذها الأردني عبداللطيف القيسي (57 عاما) عند معبر الكرامة، الفاصل بين الأردن والضفة الغربية. وأسفرت عن مقتل اثنين من الإسرائيليين وفق وسائل اعلام عبرية.
واعتبر الخبير العسكري نضال أبو زيد، أن العملية 'فردية، لكنها جاءت كرد فعل طبيعي على الإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة، مضيفا أن توقيتها 'لم يكن عفويا، بل تزامن مع الذكرى السنوية الأولى لعملية الكرامة 2024، ما يظهر أبعادا رمزية وشعبية قوية'.
أبو زيد شدد في حديثه لصحيفة 'فلسطين'، على أن أهمية هذه العملية لا تكمن فقط في تنفيذها، بل في دلالتها السياسية، إذ قال: 'هي رسالة واضحة للاحتلال أن ما يرتكبه في غزة والضفة مرفوض عربيا، وأن الصراع لم يعد محصورا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل بات يمتد إلى عمق عربي شعبي، يعبّر عن غضب غير منظم لكنه ذو أثر مدو.'
وأشار إلى أن فشل 'منطق القوة' الذي يعتمده رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بات واضحا، وأن محاولة فرض الردع عبر العنف الشامل لم تعد تحقق أمنا، بل تستجلب ردودا مفاجئة وغير متوقعة.
عبوة رفح.. ضربة مؤلمة
بعد ساعات من عملية الكرامة، جاءت الضربة الثانية من جنوب قطاع غزة، وتحديدا من مدينة رفح، حيث فجرت المقاومة عبوة ناسفة أدت إلى مقتل 4 ضباط من قوات الاحتلال، إضافة إلى إصابة عدد من الجنود.
وأفاد جيش الاحتلال أن الانفجار وقع رغم قيام جرافة عسكرية بتمهيد الطريق، وهو ما كشف عن فشل استخباراتي في اكتشاف العبوة الناسفة.
ويتوقع الخبير العسكري اللواء المتقاعد فايز الدويري، أن العبوة قد تكون زرعت منذ أسابيع أو حتى شهور، ولم تكتشف رغم كل عمليات التمشيط، وعندما فتح الطريق بالجرافة لم تكن المنطقة التي تم تمشيطها كافية، فانفجرت العبوة بمجرد خروج الآلية عن المسار المتوقع.
وأوضح الدويري في حديث لقناة الجزيرة، أن منطقة رفح، وخاصة قرب محور فيلادلفيا الحدودي، كان يفترض أنها خضعت لتمشيط كامل وتسوية بالأرض من قبل قوات الاحتلال، مما يجعل العملية دليلا على أن المقاومة لا تزال فاعلة حتى في أكثر المناطق 'المطهرة' بحسب مزاعم الاحتلال.
وأضاف أن هذه العملية تشير إلى استمرار القدرة القتالية للمقاومة، بل وتطورها، من خلال استغلال الثغرات الميدانية وتوقيت الهجمات بدقة تربك الحسابات الإسرائيلية.
اليمن.. صواريخ ومسيرات تربك العمق
وفي تطور غير معزول عن العمليات السابقة، أعلنت القوات المسلحة اليمنية عن تنفيذ هجمات نوعية استهدفت العمق الإسرائيلي، باستخدام صواريخ فرط صوتية وطائرات مسيرة دقيقة، ضمن الرد المستمر على العدوان على غزة.
وأعلن الناطق باسم القوات المسلحة اليمنية عن تنفيذ، ضربة بصاروخ 'فلسطين 2' فرط صوتي على هدف عسكري حساس في يافا المحتلة، وهجوم بثلاث طائرات مسيرة على أهداف في منطقة أم الرشراش (إيلات)، وعملية بطائرة مسيرة استهدفت موقعا حساسا في بئر السبع.
ووصف الدويري، هذه الضربات بأنها 'أكبر اختراق للمجال الجوي الإسرائيلي من جهة البحر الأحمر منذ بدء العدوان'، مشيرا إلى أن المسيرات 'باتت تتفوق من حيث الفاعلية على الصواريخ فرط الصوتية، إذا لم تكتشف مبكرا'، بسبب قدرتها على التخفي والتحرك على ارتفاعات منخفضة ومسارات غير منتظمة.
وأكد أن التقنية المستخدمة في هذه الهجمات تظهر تطورا نوعيا في قدرات صنعاء، كما تشكل تهديدا مباشرا على الأمن الإسرائيلي الجوي والميداني، خاصة في ظل فشل الرادارات الإسرائيلية في اعتراض بعض المسيرات.
التدرج.. استراتيجية ذكية
من جهته، قال أبو زيد، إن استمرار هذه الهجمات من اليمن يمثل 'استنزافا حقيقيا للاحتلال الإسرائيلي'، وفشلا واضحا في فرض الهيمنة العسكرية. وأوضح أن 'تدرج القوات اليمنية في الردود، من حيث النوع والتوقيت، يعكس استراتيجية ذكية تهدف إلى إنهاك منظومة الدفاع الإسرائيلي على المدى الطويل.
وأضاف أن كل دعم تتلقاه المقاومة في غزة، سواء ماديا أو سياسيا أو عبر الضغط العسكري من جبهات أخرى، يسهم في كبح اندفاعة الاحتلال نحو فرض مشروعه الاستعماري في فلسطين والمنطقة بأسرها.
وبحسب الخبيرين، فإن العمليات البارز الثلاث التي وقعت في يوم واحد، رغم اختلاف أماكنها وأساليبها، تلتقي في مضمون واحد: إعادة تعريف قواعد الاشتباك، وإنهاء وهم التفوق الإسرائيلي الكامل. فقد أثبتت الأحداث أن الاحتلال لم يعد يملك القدرة على التحكم الكامل بميدان المواجهة، لا على حدود غزة، ولا في الضفة، ولا حتى في سماء فلسطين المحتلة.
ويؤكدان، أن التقاء عمليات الكرامة، ورفح، واليمن في يوم واحد، يشير إلى أن مشروع الاحتلال يواجه اليوم مقاومة متعددة الجبهات، ممتدة وعميقة التأثير، لا يمكن احتواؤها بالرد العسكري وحده، وهو ما يجعل الأيام المقبلة أكثر تعقيدا، وأشد خطورة على الأمن الإسرائيلي.