اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
بيديْن باردتيْن تغطيهما طبقات الرماد الأسود، ووجه أنهكه التعب، لجأ محمود حمد، إلى صنع موقد معدني للنيران بأدوات بسيطة، لتدفئة أفراد أسرته النازحة تحت سقف خيمة لا تقيهم البرد القارس، في واحد من الطقوس التي اعتادها منذ أن فقد منزله إبَّان حرب الإبادة الإسرائيلية.
كان حمد البالغ (30 عامًا) وعائلته يملكون منزلاً متعدد الطوابق في بلدة بيت حانون، شمالي قطاع غزة، لكن جيش الاحتلال دمره في الحرب التي بدأها يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وحرم العائلة من الوصول إلى منطقة سكنهم مجددًا.
ويسيطر جيش الاحتلال في إطار وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ يوم 10 أكتوبر 2025، على مساحات واسعة من شمالي وشرقي وجنوبي القطاع الساحلي خلف ما يعرف بـ'الخط الأصفر'، ويمنع بقوة السلاح المواطنين من تجاوزه.
'حياتنا قبل الحرب كانت مستقرة، لم تكن مكتملة لكنها أفضل مما نحن عليه اليوم. فجيش الاحتلال دمر منزلنا بالكامل وحولته الآليات العسكرية إلى رمال يغطيها رماد الحرب.' قال حمد ذو اللحية الكثيفة المكسوة بالشيب في سن مبكرة.
دمار واسع
وتعمد جيش الاحتلال في الحرب التي امتدت سنتيْن، على تدمير مناطق واسعة من أحياء ومدن قطاع غزة، باستخدام أسلحة فتاكة، من بينها الضربات الجوية العنيفة والمدرعات المفخخة، قبل أن تشارك الآليات الثقيلة في إكمال عمليات الهدم والتدمير، ما أدى إلى تغيير معالم أحياء كاملة في القطاع المدمر المفروض عليه حصار إسرائيلي مشدد.
وأضاف لـ 'فلسطين أون لاين' وقد تجلى حزن كبير على وجهه، 'نحن لم نفقد منازلنا فقط، بل فقدنا معها القدرة على الوصول إلى أراضينا هناك، ونخشى أن تطول فترة وجود جيش الاحتلال في المناطق السكنية.'
وتابع: 'رغم أن منزلي مدمر، وقد فقدت معه كل شيء جميل في حياتي، إلا أنني أشتاق للعودة إلى بيت حانون. بمجرد تراجع الجيش سأنقل خيمتي سريعًا إلى هناك، وأكمل حياتي في بلدتي التي ولدت وكبرت فيها.'
لكن هذا الحلم يبدو بعيد المنال بفعل انتهاكات جيش الاحتلال لوقف إطلاق النار، واستهداف العديد من المدنيين عند محاولتهم الاقتراب من مكعبات خرسانية صفراء اللون وضعها الجيش، وحال دون تجاوزها بقوة النيران.
بالقرب من الشاب حمد، كانت زوجته سهى عاشور (29 عامًا) تتأمله بعينين دامعتين وهو يتحدث مع مراسل صحيفة 'فلسطين' الذي زار خيمة نزوح العائلة في حي الرمال الشمالي، غربي مدينة غزة. قالت وهي تجلس على حجر صغير أمام خيمتها المهترئة المصنوعة من القماش: 'إننا نعيش في مكان يفتقد أدنى مقومات الحياة، لكن ذلك لن ينسينا ذكرياتنا الجميلة في منزلنا المدمر.'
وأضافت، 'نحن نتمنى أن نتمكن من العودة إلى منطقة سكننا في بيت حانون في أقرب وقت، لكن كل من يحاول الوصول إلى هناك يقتله جنود جيش الاحتلال بدم بارد.'
في زمن الحرب، لم يقتصر الدمار وتداعياته الإنسانية الخطيرة على بلدة بيت حانون، فمحافظة شمالي قطاع غزة صارت شبه مدمرة بالكامل، ومدن أخرى أيضًا مثل رفح، جنوبًا، ومناطق واسعة من محافظات غزة والوسطى وخان يونس. بين هذا الدمار الواسع تئن عائلة المواطن سامي حرارة، تحت وطأة النزوح في الخيام الهشة.
'كان لي منزل'
في منطقة تلة المنطار بحي الشجاعية، شرقي مدينة غزة، كان حرارة البالغ (56 عامًا) يملك منزلاً مكون من 4 طوابق، قصفه جيش الاحتلال مساء اليوم الأول للحرب، وجعل مصير 12 فردًا من العائلة مجهولاً في خيام الإيواء للسنة الثالثة على التوالي.
قال حرارة لـ 'فلسطين أون لاين': 'منزلي كان وطن بالنسبة لي، فيه مأكلي ومشربي وملبسي وحياتي كلها، عندما دمره الاحتلال دمر معه حياتي كلها.'
أضاف وهو يشير إلى خيمتين مصنوعتين من النايلون ثبتهما على قارعة الطريق، غرب مدينة غزة، لإيواء أفراد عائلته: 'هنا صار ملاذنا الأخير، ليس أمامنا أي بديل آخر، نموت تحت سقف هذه الخيام من البرد ولا أحد يشعر بنا.'
وتابع: 'حتى بعد وقف إطلاق النار لم يعد بإمكاننا العودة إلى منطقة سكننا، ودائمًا نسمع آليات جيش الاحتلال وهي تطلق نيرانها والطائرات الحربية عندما تقصف أهدافًا خلف الخط الأصفر. لقد صارت حياتنا كابوسًا يلاحقنا لا نعرف متى ينتهي.'
بعد وقف إطلاق النار المبرم بوساطة مصرية وقطرية وبرعاية من الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، لم يتوانَ جيش الاحتلال عن تنفيذ خروقات واضحة أدت إلى استشهاد وإصابة مئات المواطنين.
وتزامن ذلك مع مماطلة حكومة بنيامين نتنياهو في بدء المرحلة الثانية للاتفاق، والتي بموجبها سينسحب جيش الاحتلال إلى مناطق قريبة من السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ نكبة 1948، ما سيتيح الفرصة أمام المواطنين للعودة إلى مناطق سكنهم وتثبيت خيامهم فيها.
وفي خرق علني لاتفاق وقف إطلاق النار، ألقت مسيَّرة إسرائيلية من نوع 'كواد كابتر'، أول من أمس، قنبلة على مدرسة تحولت إلى مركز للإيواء بحي الدرج في قلب مدينة غزة، أصيب على إثرها مواطنين وصفت حالة أحدهم بالحرجة، وفق مصادر محلية.

























































