اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٧ تموز ٢٠٢٥
في وقتٍ تتصاعد فيه الانتهاكات بحق الأسرى داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، تتكشف تفاصيل مروعة عن سجن جديد أُقيم تحت الأرض داخل سجن الرملة، في انتهاك صارخ لأحكام القانون الدولي الإنساني.
ويحمل السجن اسم 'راكيفيت'، وهو اسم زهرة 'بخور مريم' بالعبرية، لكنه لا يحمل من الزهور سوى الاسم. فبحسب حقوقيين، يُعد 'راكيفيت' قبرًا إسمنتيًا حيًا، يُزج فيه الأسرى في ظروف غير آدمية، وسط عزلة تامة وانتهاكات منهجية.
وكشفت إذاعة 'كان' العبرية عن احتجاز عشرات من مقاتلي كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وقوة 'الرضوان' التابعة لحزب الله اللبناني، في قسم سري جديد أُنشئ في سجن الرملة منذ سبتمبر/ أيلول 2024. القسم المعروف باسم 'راكيفيت' يتكون من زنازين معزولة تمامًا تحت الأرض، تفتقر للضوء الطبيعي والتهوية، وتخضع لمراقبة صارمة على مدار الساعة بواسطة كاميرات ذكية ترصد كل حركة وسكنة.
ولا يُسمح للأسير في هذا السجن بالخروج من زنزانته إلا ساعة واحدة يوميًا إلى ما تسميه إدارة السجن 'ساحة'، وهي في الواقع غرفة صغيرة محصنة بأسقف إسمنتية، تمر من قضبانها أشعة شمس خافتة. وخلال هذه الساعة، يُجبر الأسير على تنفيذ ثلاث مهام: الاستحمام خلال 7 دقائق، تنظيف الزنزانة، والمشي في محيط الغرفة، دون السماح بأي تواصل مع الأسرى الآخرين.
انتهاكات ممنهجة
مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، علاء سكافي، يؤكد أن هذه الممارسات تمثل خرقًا فاضحًا للقانون الدولي الإنساني، وتنتهك بشكل ممنهج الحد الأدنى من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها أي معتقل.
ويقول سكافي لصحيفة 'فلسطين': 'إن إنشاء سجن سري تحت الأرض، ومنع زيارة المحامين والعائلات، يعدّ مخالفة صريحة وواضحة للقوانين الدولية، التي تنص على ضرورة تمكين المعتقل من الاتصال بالعالم الخارجي، وتلقي الزيارات الدورية من أهله ومحاميه، إلى جانب إتاحة الصحف والمجلات والمعلومات.'
وأضاف أن الاحتلال لا يلتزم حتى بالحد الأدنى من المعايير الدولية في ما يتعلق بأماكن الاحتجاز، حيث تفتقر السجون للمقومات الأساسية التي تضمن السلامة الجسدية والنفسية، خصوصًا في حالة المفقودين الذين يُحتجزون في ظروف غامضة.
ومنذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة في 7 أكتوبر 2023، اعتقل جيش الاحتلال آلاف الفلسطينيين من القطاع، وما يزال مصير معظمهم مجهولًا، في حين استشهد العشرات منهم داخل السجون.
مقابر ومسالخ بشرية
وأشار سكافي إلى أن الاحتلال حوّل السجون ومعسكرات الاعتقال إلى 'مقابر ومسالخ بشرية'، نتيجة الممارسات القمعية، والتعذيب، والإهمال الطبي، ما أدى إلى ارتفاع أعداد الشهداء من الأسرى دون أي مساءلة أو محاسبة.
وشدد على أن ما يجري يمثل انتهاكًا لأبسط قواعد القانون الدولي، إذ يُفترض أن يُمنح المعتقل ساعة تشميس يومية، ومساحة لا تقل عن 3×3 أمتار، في مكان جيد التهوية، مزوّد بإنارة كافية، وطعام مناسب، ورعاية طبية، إلى جانب زيارات دورية من الأهل، ومحاكمة عادلة.
إلا أن ما يحدث في 'راكيفيت' وغيره، هو منع تام لزيارات المحامين، وحرمان الأسرى من المثول المباشر أمام القضاء، حيث يُعرضون عبر نظام الفيديو كونفرنس في مخالفة صارخة تُمارَس اليوم كروتين اعتيادي رغم أنها خُصّصت لحالات الطوارئ فقط.
وفي ما يتعلق بتصنيف الأسرى على أنهم 'خطرون'، أوضح سكافي أن القانون الدولي لا يميز بين معتقل وآخر، فجميع المعتقلين يتمتعون بحقوق متساوية، وأن هذا التصنيف الذي يستخدمه الاحتلال هو أداة لشرعنة الانتهاكات، وتعذيب الأسرى أو تصفيتهم تحت غطاء قانوني زائف.
وأكد أن المعتقلين من قطاع غزة هم مدنيون، ولا يجوز تصنيفهم كأسرى حرب، كونهم لا ينتمون إلى جيوش منظمة، ولا إلى دولة ذات سيادة، ما يعني أنهم يخضعون للحماية القانونية وفق اتفاقية جنيف الرابعة، وليس الثالثة الخاصة بأسرى الحرب.
كما شدد على أن محاولة الاحتلال تصنيف المعتقلين وفق انتمائهم السياسي أو التنظيمي هو تصرف غير قانوني، ولا يستند إلى أي مرجعية في القانون الدولي، ويهدف إلى تبرير المعاملة غير الإنسانية التي يتعرض لها الأسرى.
أطباء يعذبون المرضى
وكشف سكافي عن تفاصيل صادمة حول ما يجري في عيادة سجن الرملة، التي تضم ثلاثة أقسام: 'نتيسان'، 'راكيفيت'، و'مراش'، حيث يُحتجز معتقلون يصنفهم الاحتلال كـ'خطرين'، إضافة إلى جرحى ومرضى تم نقلهم من المستشفيات إثر إصابات خطيرة أو نتيجة التعذيب.
وقال إن هذه الأقسام تُمارس فيها أخطر أشكال الانتهاكات، حيث يُعذَّب المعتقلون على أيدي السجانين، وتُهاجمهم كلاب بوليسية شرسة ترافق من يزعمون أنهم 'أطباء'، وهم في الحقيقة ضباط من جهاز المخابرات يرتدون المعاطف الطبية.
وأضاف أن بعض من يقدمون أنفسهم كأطباء هم في الواقع سجناء جنائيون من دولة الاحتلال، يُمنحون صلاحية تمثيل دور الطبيب، لتقديم ما لا يرقى إلى أدنى مستوى من الرعاية الصحية. وقد أفاد أسرى بأن هؤلاء 'الأطباء' يدخلون عليهم بصحبة كلاب متوحشة تُطلق لمهاجمتهم أثناء ما يسمى 'الكشف الطبي'.
ويعاني معظم المعتقلين في سجن الرملة من تدهور حاد في أوضاعهم الصحية، نتيجة حرمانهم من العلاج المناسب، إلى جانب المعاملة القاسية التي يتعرضون لها باستمرار. ويؤكد سكافي أن الهدف من هذه الأقسام ليس تقديم الرعاية، بل الإبقاء على المعتقلين أحياءً جسديًا فقط، دون أدنى مقومات الكرامة والإنسانية.
يُذكر أن أكثر من 10,800 فلسطيني يقبعون في سجون الاحتلال، ويتعرضون للتعذيب والتجويع والإهمال الطبي، ما أدى إلى استشهاد عدد كبير منهم، وفق تقارير حقوقية. وتتصاعد هذه الانتهاكات بشكل متسارع منذ 7 أكتوبر 2023، في ظل تجاهل الاحتلال للنداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفها.