اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١ أب ٢٠٢٥
في الوقت الذي تتصاعد فيه المجازر والكارثة الإنسانية في قطاع غزة، ويتعرض فيه المدنيون للتجويع والقتل اليومي، تتجه بعض العواصم الغربية، وعلى رأسها باريس ولندن، نحو الاعتراف الرمزي بدولة فلسطينية في سبتمبر المقبل، فيما يراه محللون فلسطينيون موقفًا استعراضيًا يفتقر للجدية ويخلو من أي مضمون سياسي حقيقي.
فالدول ذاتها التي تتحدث اليوم عن ما يسمى بـ 'حل الدولتين' و'الاعتراف بالدولة الفلسطينية'، هي التي وفرت الغطاء السياسي والعسكري والاقتصادي للاحتلال الإسرائيلي، وغضت الطرف عن جرائمه، ودافعت عنه في المحافل الدولية، بل شاركت فعليًا في إرساء منظومة القهر والظلم التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عقود.
وفي ظل استمرار المجازر بغزة، يرى مراقبون أن هذه الاعترافات ليست سوى محاولة لتجميل صورة الغرب، وتخفيف الضغط الشعبي المتزايد، دون أن تُغير شيئًا من الواقع القائم، بل تُستخدم كأداة دعائية بائسة، لا تعكس إرادة حقيقية في وقف الجريمة أو تحقيق العدالة.
والأربعاء الماضي، أعلنت 15 دولة غربية، من بينها فرنسا وبريطانيا وإسبانيا وهولندا، أنها تدرس بشكل إيجابي الاعتراف الرسمي بالدولة الفلسطينية قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول المقبل.
قوبل هذا الإعلان برد فعل إسرائيلي غاضب، حيث أعرب رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو عن معارضته الشديدة للخطوة، مدعيا أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية هو 'عقاب للضحية'، وأن قيامها على حدود (إسرائيل) سيجعلها 'دولة جهادية' تشكل تهديدا لاحقا حتى للدول الأوروبية، وفق تعبيره.
'رشوة سياسية'
وقال المفكر الفلسطيني منير شفيق إن ما يُعرف بـ'المجتمع الدولي'، المتمثل بالدول الكبرى المتحكمة في مجلس الأمن، وعلى رأسها الولايات المتحدة والدول الغربية، لم يكن يومًا طرفًا نزيهًا أو منصفًا في الصراع العربي–الإسرائيلي، بل هو من أسس لقيام الكيان الصهيوني على أسس من الظلم ومخالفة صريحة للقانون الدولي.
وأوضح شفيق في مقابلة متلفزة، أن هذا المجتمع الذي بدأ بعض أطرافه بالتلويح بالاعتراف بدولة فلسطينية 'ليس جادًا في إيجاد حل حقيقي للقضية الفلسطينية'، مذكرًا بأن قرار التقسيم الصادر عام 1947 نص على قيام دولتين، دون أن تُنفذ الدولة الفلسطينية حتى اليوم، وهو ما يكشف –برأيه– زيف الادعاءات الغربية.
وأكد أن الحل الوحيد الممكن والعادل هو مواصلة المقاومة الفلسطينية، وتوحيد الجهود العربية والإسلامية، إلى جانب أحرار العالم، من أجل نزع الشرعية الكاملة عن الكيان الصهيوني ومحاصرته سياسيًا وأخلاقيًا.
وأضاف: 'الكيان لا يريد حلًا، والغرب يدعمه بشكل مباشر وغير مباشر، ولذلك فإن الرهان على المجتمع الدولي خاسر، مشددًا على أن المطلوب هو الحشد الشعبي المستمر، وتصعيد المقاومة، ورفع الصوت لإدانة الاحتلال وكل من يغطي جرائمه'.
وحول موجة الاعترافات الجارية بدولة فلسطينية، اعتبرها شفيق 'بلا معنى'، وقال: 'إعطاء أي أهمية لهذه الخطوات، في ظل المجزرة الجارية في غزة، هو عبث سياسي. الأولوية الآن هي وقف الكارثة، لا التلهي بمواقف شكلية'.
وانتقد بشكل خاص موقفي بريطانيا وفرنسا، قائلاً: 'كيف يمكن لدول ترى المجازر تُرتكب، والمجاعة تفتك بالأطفال، ثم تقول إنها تريد الاعتراف بدولة فلسطينية؟ هل يُعقل أن تُقابل المجازر برشوة سياسية؟'.
وشدد على أن ما يحدث حاليًا هو محاولة لتلميع مواقف بعض الدول تحت شعارات إنسانية أو سياسية، بينما تغض الطرف عن الجرائم الفعلية الجارية بحق المدنيين في غزة.
وختم شفيق بالقول: 'ما يجب أن يحدث ليس تحسين الخطاب، بل وقف الجريمة التي تُرتكب بحق غزة، ودعم المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني، لا تغميس الخبز في الصحن بينما الكارثة ماثلة أمام أعين العالم'.
'دولة بلا سيادة ولا أفق'
من جانبها، وصفت المختصة في الشأن الإسرائيلي، منى العمري، موجة الاعترافات المتسارعة بدولة فلسطينية، والمتوقعة في سبتمبر المقبل، بأنها 'تحرك متحمس أكثر منه جاد'، مشددة على أن ما يجري لا يتجاوز كونه 'مهزلة ممتدة لا تساوي شيئًا في ميزان الفعل الحقيقي'.
وقالت العمري إنها لا تميل إلى تصنيف كل تحرك غربي كمؤامرة، مشيرة إلى أن 'المؤامرات التي تحاك وتُنفذ على الأرض ضد الشعب الفلسطيني كافية وحدها'، لكنّ التلويح الحالي بالاعتراف بدولة فلسطينية، دون وجود فعلي على الأرض أو شروط سياسية تسمح بإقامتها، يعكس برأيها اصطفافات سياسية أخرى، ربما جاءت كرد فعل أوروبي على إدارة ترامب السابقة وعلاقاتها المتوترة مع أوروبا.
وترى أن ما يُروج له تحت عنوان 'حل الدولتين' لم يعد واقعيًا، بل تحول إلى 'طرح بالٍ'، لا يتبناه اليوم إلا من يجهل عمق التعقيدات الإسرائيلية–الفلسطينية، أو من يسعى لصناعة مشهد سياسي 'يوهم بأن العجلة تدور، حتى وإن كانت تطحن الماء'، مؤكدة أن الغاية من ذلك بالنسبة للبعض ليست الحل، بل الظهور في صدارة المشهد السياسي.
وأضافت أن دولًا مثل فرنسا وبريطانيا وكندا –التي تقود هذا المسار– تملك القدرة على اتخاذ خطوات أكثر جدوى إذا أرادت فعلًا دعم الحق الفلسطيني، مثل وقف الدعم العسكري لـ(إسرائيل)، بما فيه الشحنات التي تُمرر عبر غطاء تجاري ومدني، أو تجميد التعاون الأكاديمي والعلمي والتجاري.
وحذرت العمري من التعامل مع هذه الاعترافات على أنها خطوات فعلية، مضيفة: 'ما يُقال عن اعتراف بدولة بلا سيادة ولا حدود ولا أفق سياسي، يعلم الجميع –بمن فيهم من يطرح الفكرة– أن (إسرائيل) سترفضه، وأن الفيتو الأميركي جاهز لإسقاطه متى اقترب من التنفيذ'. وتابعت: 'إنها مهزلة منسقة... لا أكثر'.
وتساءلت: 'دولة مسخ... مقابل ماذا؟ هل استيقظ الضمير العالمي فجأة ليعترف بحق الفلسطينيين في دولة؟ بالطبع لا'. وعلى هذا الأساس، تؤكد العمري أنه لا مبرر للتصفيق للدول التي تعلن انضمامها إلى 'فعالية الاعتراف'، معتبرة أن المسار الواجب على الفلسطينيين والعرب التركيز عليه هو إدخال المساعدات إلى قطاع غزة عبر المعابر البرية، وليس التفاعل مع المسرحيات الجوية التي تروج لها حكومة الاحتلال.
واختتمت العمري تحليلها بالقول: 'ما يجري ليس دعمًا حقيقيًا للفلسطينيين، بل إدارة شكلية للأزمة، تضمن استمرار المعاناة، وتمنح (إسرائيل) غطاءً دوليًا جديدًا، تحت عنوان كاذب: الاعتراف بالدولة'.