اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شمس نيوز
نشر بتاريخ: ٢٩ نيسان ٢٠٢٥
تُنذر جملة من المؤشرات الصادرة عن جيش العدو 'الإسرائيلي'، أخيراً، بوجود استعدادات لتصعيد العمليات العسكرية في قطاع غزة، بالتزامن مع فشل التوصل إلى تسوية تجبر حركة «حماس» على الرضوخ للمطالب 'الإسرائيلية'، سواء عبر المسار الديبلوماسي، أو تحت وطأة الضغط العسكري الحالي. على أنّ تصعيداً من ذلك النوع قد يفرض على القوات 'الإسرائيلية' مواجهة طويلة الأمد، وبالتالي، استنزافاً أوسع للقوى البشرية، والتي أصبحت تعتمد، إلى حدّ كبير، على نظام الاحتياط 'المترهّل'.
ويواجه هذا النظام تحديات داخلية متصاعدة، في ظل تزايد مظاهر التململ والغضب في صفوف جنود الاحتياط بسبب تمديد خدمتهم وتقليل إجازاتهم، ما يعمّق الانقسامات الاجتماعية والسياسية، ويؤثر سلباً على أي قرار مستقبلي باستمرار الحرب أو توسيعها.
على أنّ تلك الإجراءات تبدو بمنزلة حل وحيد لمعضلة الجيش 'الإسرائيلي'، الذي يواجه صعوبة كبيرة في تعويض النقص الحاد في القوات القتالية، نتيجة تعثر الجهود السياسية لتشريع قوانين جديدة. وفي ظل غياب مثل هذه التشريعات الواضحة، سواءً لتمديد مدة الخدمة الإجبارية أو التقليل من الامتيازات الممنوحة للشريحة الحريدية المتدينة التي ترفض الخدمة في صفوف الجيش، اضطرت المؤسسة العسكرية إلى اتخاذ إجراءات طارئة، من مثل تمديد خدمة الجنود النظاميين (الخدمة الإجبارية) وزيادة فترات استدعاء الاحتياط. ومع إطالة أمد الحرب، تتخذ الانقسامات في الداخل 'الإسرائيلي' طابعاً اجتماعياً، بعدما أصبح الجنود المستنزفون، من الفئات غير الحريدية، وعائلاتهم، يشعرون بأنهم يتحملون العبء الأكبر، بينما يتم إعفاء شرائح أخرى من الخدمة.
ووفقاً للمعطيات الواردة من تل أبيب، شهدت الأسابيع الأخيرة انخفاضاً ملحوظاً في استجابة جنود الاحتياط لأوامر الاستدعاء؛ إذ أكد عدد منهم، بشكل علني، أنهم لن يعودوا إلى الخدمة في حال تم استدعاؤهم. ولعل من أبرز الأسباب التي ذكروها، الإرهاق الجسدي والنفسي، والناجم عن أشهر طويلة من القتال المتواصل، علماً أنّ عدداً من جنود الاحتياط خدموا أكثر من 500 يوم منذ بداية الحرب، ما جعلهم غير قادرين على تحمل المزيد من الضغوط. وإذ يدرك الجيش 'الإسرائيلي' خطورة هذه الظاهرة، إلا أنه عاجز حتى اللحظة عن إيجاد حلول فعالة لها.
وفي حين تحدّث بعض الجنود، صراحةً، عن سبب رفضهم متابعة القتال، فإنّ التهرب من الخدمة عبر تقديم أعذار غير حقيقية، أو ما يُعرف بـ«العصيان الرمزي»، أصبح، هو الآخر، ظاهرة منتشرة بشكل متزايد.
وفي هذا السياق، تنقل صحيفة «هآارتس» العبرية عن أحد الضباط في الاحتياط قوله إنّ «الجنود يفضلون شراء تذاكر طيران رخيصة، لإثبات أنهم غير قادرين على الحضور، لأنه ببساطة لم يعد لديهم طاقة أو دافع للمشاركة في هذه الحرب». وعلى هذا النحو، يعمد الجنود إلى تقديم «ذريعة مقنعة»، مفادها أنّ لديهم خططاً شخصية تتطلب وجودهم خارج 'إسرائيل'، ما يجعلهم غير قادرين على الاستجابة لأوامر الاستدعاء، في واحد من بين أساليب «مبتكرة» عدة للتهرب من الخدمة، رغم تكلفتها.
وفي ما يتعلق بتبعات تلك الظاهرة على تنفيذ العمليات العسكرية بكفاءة، تؤكد مصادر عسكرية أنّ الاستجابة لأوامر الاستدعاء انخفضت بنسبة تصل إلى 50 في المئة في بعض الوحدات، مشيرةً إلى أنّ ذلك يعني أن الجيش قد يواجه صعوبة «في تحقيق مستويات القوة المطلوبة لخوض معارك كبيرة»، خاصة في حال قررت 'إسرائيل' توسيع نطاق القتال في غزة.
أيضاً، فإن نقص الجنود الاحتياطيين يجبر بعض الوحدات على «اقتراض» جنود من وحدات أخرى، وسط مخاوف من أنّه في حال تم إصدار أوامر استدعاء واسعة النطاق، فمن المتوقع أن يطلب معظم هؤلاء الجنود العودة إلى وحداتهم الأصلية، ما سيترك فجوات كبيرة في القوات القتالية. وينسحب التململ نفسه على عائلات الجنود، بعدما أصبح الأهالي يحاولون منع أبنائهم من العودة إلى الخدمة، أو يضغطون في اتجاه منحهم أدواراً خلفية في القتال، تكون أقل خطورة، في تغير لافت في التوجهات الاجتماعية لدى 'الإسرائيليين'، الذين كانوا، تقليدياً، يقدمون الدعم اللازم لأي جهود حربية.
وفي حال نفذت 'إسرائيل' تهديداتها، فإنّ توسيع الحرب في غزة سيتطلب تعبئة شاملة للموارد البشرية، في خضمّ تآكل الثقة بين الجنود والنظام والقيادة السياسية. ومن دون معالجة جذرية لهذه الأزمة، سيكون من الصعب على إسرائيل تحقيق أهدافها العسكرية المخطط لها، سواء على صعيد العمليات الميدانية أو الضغط على «حماس» حتى 'استسلامها'.
على أنّ ما تقدم لا يعني أنّ الأزمة المستعرة في ما يخص التجنيد ستكون كافية لإيقاف الحرب أو تغيير مسارها بشكل جذري، ولا سيما أنّ القرارات الكبرى تبقى محكومة بتوازنات سياسية وأمنية أوسع، قد لا تعطي الأولوية لمطالب الجنود أو الانقسامات الداخلية، على حساب «الأهداف الإستراتيجية الأوسع لإسرائيل»، كما يراها صاحب القرار في تل أبيب.