اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة سوا الإخبارية
نشر بتاريخ: ١ أيلول ٢٠٢٥
رفيقي العزيز سميح محسن :
سأكتب اليوم عن إحدى الحكايات اليومية في غزة ، تلك التي تتكرر كل يوم من أيام غزة اللاهبة. رغم حرب الإبادة التي نعيشها، لا يزال شعاع الأمل ينبثق من بين ثنايا المعاناة. وتبرز في هذه الظروف قصص أبطال من نوع خاص، يحملون على أكتافهم عبء الإنسانية وسط أتون الحرب.
ومن بين هذه القصص التي تستحق أن تُروى، قصة الشاب الفلسطيني أحمد عادل ظاهر، الذي وقف بشجاعة وشهامة ليحفظ كرامة شهيد في زمن انقلبت فيه القيم، وأصبحت الأشلاء عرضة للمهانة والنسيان.
بينما كان الشاب أحمد عائدًا يوم السبت الموافق 30 آب من رحلة الموت إلى منطقة زيكيم، باحثًا عن كيس طحين غالبًا ما يكون ممزوجًا بالدم، وعلى مقربة من منتجع بيانكو شمال الواحة، تعثر بجثمان شهيد وصفه على صفحته في فيسبوك: لون بشرته قمحي غامق، أصلع من وسط الرأس، وعلى الأطراف شعر، وله لحية كثيفة، يرتدي بلوزة سوداء وبنطلون جينز كحلي، وكان يرتدي بوتًا لم يتبين لونه بسبب شدة الغبار. وأضاف: قبل أن أقوم بدفنه، بحثت عن من يساعدني لنقله إلى الشارع العام، فلم أجد.
رغم الإرهاق والتعب الشديد وأزيز الرصاص المستمر، كانت حالة الشهيد تثقل عليه، خاصة مع تجمع قطيع من الكلاب الضالة ينهش الجثمان. وبأسف كتب أحمد: 'لم أحمل جوالًا لتصويره'.
وختم تدوينته بوضع رقم جواله، طالبًا من يبحث عن مفقود التواصل للإفادة.
في اليوم التالي، أعلن أحمد على ذات صفحته أنه تم التعرف على الجثمان الذي دفنه بجوار بيانكو، وهو من عائلة معروف .
وقد تم التعرف على الشهيد من خلال ورقة مكتوبة بيد زوجته تحتوي على احتياجات منزلية، وكان بحوزته مبلغ 2800 شيقل. حضر والد الشهيد حاملاً صورة ولده، وتأكد من شخصيته، وتسلم مقتنياته بأمانة ونقل جثمانه إلى مثواه الأخير ليرتاح .
وفي مظهر من مظاهر النخوة والأمانة، كتب أحمد، الذي لم أعرفه إلا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، نداءً إنسانيًا للعائلات التي فقدت أبناءها منذ فترة طويلة، معلنًا وجود خمس جثث متحللة بشكل تام في محيط مصيدة الموت في زيكيم، لكنه أكد إمكانية التعرف عليهم من خلال الملابس ، وأبدى شجاعة نادرة باستعداده لمرافقة أي عائلة تبحث عن مفقود، رغم الخطر المحدق.
تجلّت في هذا العمل النبيل أرقى صور الشهامة والإنسانية، حين قرر دفن الشهيد تحت زخات الرصاص ودوي القذائف حفاظًا على كرامته، ومنعًا لأن تنهشه الكلاب. كما حرص على تدوين أوصاف الشهيد بدقة، ليسهل على أمٍ مفجوعة أو أب تائه مهمة التعرف على فلذات أكبادهم. وقد تحقق مبتغاه النبيل حين تمكنت العائلة من التعرف إلى ابنها المفقود.
لقد جسد الشاب أحمد شجاعة الفلسطيني الأصيل، وشهامة الرجال، ورمز الأمانة في تسليم مقتنيات الشهيد لذويه. إنها حالة أصيلة تعبر عن شعب يكرم شهداءه، ولا يتركهم عرضة لنهش الكلاب الظالة. شعب كهذا لا يمكن أن ينكسر. تصرف أحمد الإنساني هذا جاء في زمن تحاول فيه الحرب أن تمحو الأمل والإنسانية، ليثبت أن الكرامة لا تموت، وأن الشجاعة ليست فقط في خنادق المواجهة، بل في حماية الإنسانية والحفاظ على ذاكرة الشهداء.
هذه القصص هي الشعلة التي تضيء دروبنا نحو الصمود والثبات على أرض نحبها، سواء كنا فوقها أو حتى في باطنها..
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية