اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٠ نيسان ٢٠٢٥
دخل المسجد الأقصى المبارك مرحلة خطيرة من الاستباحة الإسرائيلية، لم يشهد لها مثيلًا منذ احتلاله عام 1967. فالأيام الماضية، وتحديدًا خلال 'عيد الفصح العبري'، كشفت عن تصعيد غير مسبوق، من حيث حجم وعدد الاقتحامات، ونوعية الطقوس التلمودية العلنية التي أُدّيت في باحاته، خصوصًا في ساحته الشرقية، التي تحوّلت عمليًا إلى ما يشبه كنيسًا يهوديًا غير معلن.
أكثر من 2,250 مستوطنًا اقتحموا المسجد الأقصى في يوم واحد، في أكبر اقتحام عددي منذ الاحتلال، وسط حماية مشددة من شرطة الاحتلال، التي منعت المصلين المسلمين وموظفي الأوقاف من دخول المسجد، ضمن سياسة 'التقسيم الزماني' التي باتت تُفرض بشكل معلن، وفق ما ذكرت مؤسسة القدس الدولية.
هذا التصعيد يأتي في سياق مخططات جماعات 'المعبد' المتطرفة، المدعومة من تيار 'الصهيونية الدينية'، التي تسعى إلى تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى كليًا، تمهيدًا – وفق معتقداتها – لبناء ما يُسمى بـ'المعبد الثالث' على أنقاض المسجد، باعتباره شرطًا لنزول 'المسيح المخلّص'، حسب رواياتهم الدينية.
ما يجري اليوم لم يعد مجرد اقتحامات متفرقة أو محاولات فردية لأداء طقوس، بل بات مشروعًا منظّمًا ومدعومًا سياسيًا، تُنفَّذ خطواته بدقة متصاعدة، ويُوظَّف في سبيله الخطاب الديني المتطرف، والدعم الحكومي، و'الصمت العربي'، الذي تراه هذه الجماعات بمثابة إشارة إلهية للمضي قدمًا في مشروعها، وفق تأكيد مختصين.
اقتحامات غير مسبوقة
في هذا السياق، أكّد الباحث في شؤون القدس الدكتور عبد الله معروف، لصحيفة 'فلسطين' أن الاقتحامات التي شهدها المسجد الأقصى خلال موسم 'عيد الفصح العبري' لهذا العام كانت غير مسبوقة، سواء من حيث الكم أو النوع، موضحًا أن ما جرى يمثّل تصعيدًا خطيرًا في سياق محاولات فرض السيادة الإسرائيلية على المسجد، وتغيير الوضع القائم فيه بشكل ممنهج.
وقال معروف إن أعداد المستوطنين الذين اقتحموا المسجد الأقصى هذا العام زادت بنسبة تقترب من 30٪ مقارنةً بالعام الماضي 2024، في حين تجاوزت الزيادة 90٪ مقارنةً بعام 2023، وهو ما يعكس تحوّلًا نوعيًا في تعامل الجماعات الدينية الصهيونية مع هذا الملف.
وأوضح أن الجماعات المتطرفة ترى في موسم الفصح محطة سنوية مركزية لفرض وجودها داخل المسجد، لافتًا إلى أن اللحظة التي سُجّل فيها وجود أكثر من 600 مستوطن في آنٍ واحد داخل الأقصى، في اليوم الثالث من موسم الاقتحامات، تُعدّ سابقة لم تحدث من قبل، لا سيما أن عددهم حينها فاق عدد المسلمين الموجودين، بسبب سياسة المنع المتعمَّد التي تفرضها سلطات الاحتلال على دخول المسلمين أثناء الاقتحامات، ضمن ما يُعرف بسياسة 'التقسيم الزماني'.
وأشار إلى أن هذا التصعيد لم يكن فقط كميًا، بل كان نوعيًا أيضًا، حيث شهدت الساحات أداء صلوات علنية ورقصات استفزازية، خاصة في الساحة الشرقية، التي تحوّلت – كما قال – إلى ما يشبه 'كنيسًا غير مرئي' أُقيم فعليًا على أرض المسجد.
وهذا ما دفع عضو الكنيست المتطرف عن حزب الليكود عميت هاليفي للتصريح لموقع القناة السابعة الإسرائيلية، بأن هذا الحدث يمثّل 'انتصارًا كاملًا' لـ(إسرائيل)، مستعيرًا هذا التعبير من رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، الذي ينادي دائمًا بما يسميه 'النصر الكامل' في حربه على قطاع غزة.
وعميت هاليفي هو صاحب مقترح تقسيم المسجد الأقصى بنسبة 30٪ للمسلمين، و70٪ لليهود، الذي قدّمه للكنيست منتصف عام 2023.
الخلفيات والدوافع الدينية
هذه الأحداث تطرح سؤالًا جوهريًا حول خلفيات الاقتحامات: لماذا تُصرّ عليها جماعات 'المعبد'؟ وما الذي تعنيه زيادة أعداد المقتحمين؟ رغم أن الحاخامية الكبرى الرسمية في دولة الاحتلال لا تعترف بها، ولا بالطقوس التي تُؤدَّى خلالها.
وأوضح معروف أن هناك خلافًا قديمًا داخل المجتمع الديني اليهودي حول دخول منطقة المسجد الأقصى، يتمثل في تيارين رئيسيين: الأول، هو التيار الديني التقليدي الذي تمثله الحاخامية الكبرى، التي ترفض دخول اليهود للأقصى بسبب ما يُعرف بـ'نجاسة الموتى'، إذ لا يمكن التطهّر منها إلا باستخدام رماد بقرة حمراء، وهو أمر يعتبرونه معجزة لم تقع منذ ألفي عام.
وأضاف: 'حتى عندما جلبوا خمس بقرات حمراء من تكساس في 2022، لم تعترف بها الحاخامية الكبرى، معتبرةً أن المعجزات ستقع عندما يشاء الله، بما في ذلك ظهور بقرة حمراء مطابقة، ونزول المسيح، وبناء المعبد الثالث من السماء'.
في المقابل، أوضح معروف أن التيار الثاني هو التيار الديني الخلاصي المتطرف، الذي يرى أن عليه دورًا في تنفيذ إرادة الرب، وأنه يجب أن يكون أداة لتحقيق المعجزات، من خلال الاقتحامات المتكررة، وتكثيف الطقوس داخل الأقصى.
وقال: 'هذه الجماعات ترى في نفسها اليد التي تُجبر الرب على تحقيق وعوده بنزول المسيح وبناء المعبد. وكلما زاد عدد المقتحمين، اعتبروا ذلك علامة إلهية على الرضا، وأنهم على الطريق الصحيح'.
وأضاف: 'هذه الفكرة الخطيرة تجعلهم يفسرون الصمت العربي والإسلامي على أنه رضاٌ من الله عن مساعيهم، وهو ما يدفعهم إلى المضي قدمًا في مخططاتهم، بينما يعتبرون كل مقاومة شعبية بمثابة رفض إلهي لتحرّكاتهم، يدفعهم أحيانًا إلى التراجع'.
وأشار إلى أن هذه الأيديولوجيا ليست حكرًا على اليهود، بل تشترك فيها أيضًا تيارات 'الصهيونية المسيحية'، التي دعمت في السابق جريمة إحراق المسجد الأقصى عام 1969، على يد الأسترالي دينيس مايكل روهان، الذي ادّعى حينها أنه يُنفّذ نبوءة من سفر زكريا، وأنه مجرد أداة لتنفيذ مشيئة الرب.
واختتم معروف حديثه بالتأكيد على أن هذه النظريات، إذا تُركت دون مقاومة ووعي حقيقي بخطورتها، ستؤدي إلى المزيد من الاعتداءات على المسجد الأقصى، مشيرًا إلى أن الاحتلال – خاصة من خلال تيار 'الصهيونية الدينية' – لا ينتظر مبررات للتحرك، بل يرى أن الصمت هو 'الإشارة الإلهية' التي ينتظرها للانقضاض الكامل على الأقصى، وبناء 'المعبد الثالث' مكانه.