اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
بينما تنشغل الأنظار بما يجري يوميًا من اقتحامات واعتداءات في الضفة الغربية، تتقدم في الخلفية معركة أخرى لا تقل خطورة، تُدار بالأموال والشبكات العابرة للحدود.
فالتوسع الاستيطاني الذي يلتهم الأرض الفلسطينية ليس مجرد نتيجة لقرارات سياسية أو لحماية عسكرية توفرها قوات الاحتلال، بل هو نتاج منظومة مالية دولية ضخمة تقف وراءه، تعمل بصمت وتتغلغل في الاقتصاد العالمي، وتضخ ملايين الدولارات إلى المستوطنات دون توقف.
هذه المنظومة، التي تجمع بين شركات متعددة الجنسيات وبنوك غربية ومنظمات يهودية وكيانات اقتصادية معقدة، تشكل العمود الخفي الذي يمد المشروع الاستيطاني بالقدرة على التمدد وتغيير الواقع الديموغرافي على الأرض.
وفي وقت تبدو فيه المواجهة الميدانية واضحة ومباشرة، تبقى مواجهة هذه الشبكات المالية أكثر تعقيدًا، حيث تختلط المصالح الاقتصادية بالعقائد السياسية، ويختفي الكثير من التمويل داخل طبقات من الشركات الوسيطة والواجهات غير المعلنة.
وتشير تقارير حقوقية وصحفية إلى تورط عشرات الشركات العالمية في تقديم خدمات اقتصادية داخل المستوطنات، سواء في مجالات السياحة أو البناء أو البنية التحتية أو الاتصالات.
وفي تحديث قاعدة بيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان عام 2025، جرى إدراج 158 شركة تعمل داخل المستوطنات أو تخدمها بطريقة مباشرة، بينها شركات أمريكية كبرى إضافة إلى شركات من أوروبا وكندا والصين.
تعمل هذه الشركات في مسارات متنوعة مثل حجز العقارات، والمعدات الهندسية، والخدمات اللوجستية، ما يعزز من قدرة المستوطنات على البقاء والتوسع.
كما تكشف منظمات دولية مثل هيومن رايتس ووتش عن الدور العميق للبنوك الإسرائيلية في تمويل مشاريع الاستيطان، عبر منح قروض، أو شراء حقوق ملكية داخل وحدات استيطانية جديدة، أو رعاية مشاريع بناء حتى اكتمالها. وبالتوازي، تُظهر الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان أن بنوكاً وشركات تأمين غربية، خصوصاً في فرنسا، تشارك في شراكات مالية تتيح لمؤسسات إسرائيلية تعزيز نشاطها في الضفة، ما يؤدي إلى توسيع المستوطنات والإضرار بحقوق الفلسطينيين.
يتضح من تتبع مسارات التمويل التي تغذي المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية أن عدداً واسعاً من الشركات العالمية والبنوك الأجنبية والإسرائيلية والمنظمات اليهودية في الولايات المتحدة وأوروبا تشكل العمود الفقري المالي الذي يسمح للمستوطنات بالتمدد، ولجماعات المستوطنين بالاستمرار في اعتداءاتها اليومية تحت حماية الاحتلال.
ففي تحديث قاعدة بيانات المفوضية السامية لحقوق الإنسان عام 2025 ظهرت شركات أمريكية كبرى تقدم خدمات استثمارية ولوجستية داخل المستوطنات مثل Airbnb وBooking Holdings وExpedia وMotorola Solutions وRe/Max وTripAdvisor، وهي شركات تعمل في مجالات السياحة الرقمية، الاتصالات، الوساطة العقارية، وتتواجد خدماتها بشكل مباشر في مستوطنات الضفة.
وإلى جانبها تعمل شركات أوروبية في مشاريع البناء والبنية التحتية والسكك الحديدية، أبرزها ACS وCAF وIneco وSEMI من إسبانيا، إضافة إلى Egis وEgis Rail من فرنسا، وشركتي Greenkote PLC وJCB البريطانيّتين، وهما شركتان تورّدان معدات هندسية تُستخدم في شق الطرق الاستيطانية وهدم منازل الفلسطينيين.
وتشمل القائمة أيضاً شركات لوكسمبورغية وهولندية وألمانية وبرتغالية وصينية وكندية تعمل داخل المستوطنات، بينها Altice International من لوكسمبورغ، وBooking.com B.V من هولندا، وHeidelberg Materials AG من ألمانيا، وSteconfer S.A من البرتغال، وFosun International من الصين، وMetrontario Investments من كندا.
أما القطاع المصرفي فيمثل أحد أكثر مصادر التمويل رسوخاً، إذ كشفت تقارير عن دور البنوك الإسرائيلية الكبرى في تمويل مشاريع البناء الاستيطاني، وهي بنوك هبوعليم ولئومي وديسكونت ومزراحي تفحوت والبنك الدولي الأول لإسرائيل وبنك الاتحاد وبنك القدس، حيث تحصل هذه المصارف على حقوق ملكية في مشاريع البناء الجديدة وتقدم قروضاً تتيح تسريع عمليات التوسع الاستيطاني.
وفي السياق نفسه تظهر أسماء بنوك وشركات تأمين فرنسية كبرى تشارك بصورة غير مباشرة في تمويل الاستيطان عبر شراكات مالية مع مؤسسات إسرائيلية، بينها BNP Paribas وSociété Générale وCrédit Agricole ومجموعة BPCE، إضافة إلى شركة التأمين AXA التي استثمرت في شركات إسرائيلية تنشط داخل المستوطنات.
وفي الولايات المتحدة يتصدر المشهد عدد من المنظمات اليهودية التي تضخ أموالاً هائلة لدعم المستوطنات، بينها صندوق إسرائيل المركزي في مانهاتن، وصندوق الخليل في بروكلين، وصندوق كيرن هايسود المنتشر في أكثر من 45 دولة، والوكالة اليهودية، ومنظمة أصدقاء الجيش الإسرائيلي في ميامي، وصندوق التنمية اليهودي الأوروبي.
وتكشف السجلات أن أكثر من خمسين منظمة يهودية أمريكية حولت ما يقارب مليار شيكل للمستوطنات بين عامي 2009 و2013، وهي تبرعات معفاة من الضرائب في الولايات المتحدة، ما يمنحها شرعية مالية رغم مخالفتها للقانون الدولي.
وتبرز جمعية إلعاد التي تنشط بقوة في تهويد القدس الشرقية كنموذج واضح للتمويل الخارجي الضخم، إذ حصلت بين 2006 و2013 على نحو 450 مليون شيكل قادماً من ملاذات ضريبية مثل جزر البهاما وسيشل وجزر فيرجن، دون الإفصاح عن هوية المانحين الفعليين. كما تلقت الجمعية تمويلاً إضافياً من حكومة الاحتلال وبلدية القدس وهيئة تنمية القدس، بينها 28 مليون شيكل عام 2022 لدعم مشاريع التهويد في سلوان ووادي الربابة.
ويرتبط بتمويل إلعاد عدد من رجال الأعمال المعروفين، أبرزهم الملياردير الروسي الإسرائيلي رومان أبراموفيتش الذي دعم جمعيات مثل يشع وإلعاد بشكل مباشر.
ولا تقتصر التبرعات الأميركية على البناء الاستيطاني، بل تمول أيضا شخصيات ومنظمات إسرائيلية مدانة بارتكاب عمليات إرهابية بحق فلسطينيين، بحسب 'هآرتس' في 7 ديسمبر/كانون الأول 2015.
فقد شملت التبرعات دعم شخصيات متطرفة، بينها عامي بوبر الذي قتل 7 عمال فلسطينيين عام 1990، كما شملت دعم منظمة 'بات عاين' التي حاولت تفجير مدرسة للبنات في القدس الشرقية عام 2002.
ووفق تقرير لمنظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية صدر في مايو/أيار 2025، فقد بلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة أكثر من 730 ألفا، بزيادة 8% مقارنة بالعام السابق 2024.

























































