اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في واحدة من أبشع فصول الإبادة الإسرائيلية التي وثّقتها الأمم المتحدة، أعادت الرئيسة السابقة للجنة التحقيق الأممية في الأراضي الفلسطينية المحتلة نافي بيلاي، الحديث عن تفاصيل مروعة قالت إنها 'لا تغيب عن ذهنها'، تتعلق باستهداف الاحتلال مركز الخصوبة “البسمة” في غزة، الذي أباد في لحظة واحدة آلاف الأجنة الفلسطينية المحفوظة في مختبراته.
وقالت بيلاي، في مقابلة مع صحيفة الغارديان البريطانية، إن الاحتلال أطلق قذيفة مباشرة على عيادة الخصوبة في ديسمبر/كانون الأول 2023، ما أدى إلى إبادة 4 آلاف جنين كانت محفوظة داخل خزانات نيتروجين سائل، مؤكدةً أن هذا القصف لم يكن عرضيًا بل 'عملاً مقصودًا لمنع الولادات الفلسطينية'.
وأوضحت أن المبنى الذي استُهدف كان منفصلًا عن مجمع الشفاء الطبي ولم يتعرض المستشفى لأي قصف، مشيرةً إلى أن الاحتلال تعمد قصف الخزانات التي تحفظ الأجنة حية.
وأضافت: 'هذه ليست الحادثة الوحيدة، لكنها من أكثرها رمزية. فإبادة الأجنة تمثل ذروة التوحش الذي وصل إليه الاحتلال في حربه على الحياة الفلسطينية'.
بيلاي، التي ترأست لجنة التحقيق الأممية لأكثر من عامين، أكدت أن اللجنة قدّمت تقارير دقيقة تثبت أن ما قامت به 'إسرائيل' في غزة يرقى إلى جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، تشمل استهداف النظام الصحي والتعليمي والأطفال والحوامل، وخلصت إلى أن العالم “يشاهد الإبادة تحدث مباشرة دون أن يتحرك'.
وأضافت أن القانون الدولي 'لا يقبل أي مبرر للإبادة الجماعية، لا دفاعًا عن النفس ولا ضرورات عسكرية'، مؤكدة أن 'الصمت الدولي هو تواطؤ في الجريمة'.
تفاصيل الجريمة: من داخل مركز البسمة للإخصاب في غزة
وعند العودة إلى تفاصيل الحادثة نفسها، ففي تلك الليلة من ديسمبر/كانون الأول 2023، أصاب صاروخ إسرائيلي المبنى مباشرة، مما أدى إلى تطاير أغطية خمس خزانات نيتروجين سائل، كانت تحفظ داخلها آلاف الأجنة البشرية المجمدة وألف عينة أخرى من الحيوانات المنوية والبويضات غير المخصبة.
وبمجرد أن تبخّر النيتروجين شديد البرودة، ارتفعت درجة الحرارة داخل الخزانات لتقضي خلال دقائق على كل الأجنة والعينات. كان ذلك، بحسب الأطباء، “انفجارًا واحدًا أنهى أحلام آلاف الأزواج في الإنجاب”.
يقول الدكتور بهاء الدين الغلاييني (73 عامًا)، مؤسس المركز واستشاري أمراض النساء والتوليد الذي تدرب في جامعة كامبريدج: 'أعلم جيدًا ماذا كانت تعني تلك الأجنة الخمسة آلاف.. كانت حياة محتملة لآباء وأمهات لم يعد لهم أمل آخر. قلبي تحطم إلى مليون قطعة.”
الغلاييني أوضح أن نصف الأزواج الذين كانوا يحتفظون بأجنتهم في المركز لن يتمكنوا مجددًا من الإنجاب بسبب مشاكل طبية دائمة تمنع إنتاج بويضات أو حيوانات منوية جديدة.
وأضاف، 'كان لدى المركز ١٠٠٠ نطفة عبارة عن حيوانات منوية مستخلصة من الأزواج بعد كورسات وعلاجات وجراحات مطولة علمًا أنه يتم تخزينها إلى حين خضوع الزوجة لسحب بويضات تمهيدًا لتلقيحها تحت المجهر خارج الجسم'.
وأشار إلى أنه كان لدى مركز البسمة 3 حافظات يبلغ ثمن الواحدة 10 آلاف دولار تقريبًا، حيث يوضع فيها نتروجين سائل درجة حرارته 183 درجة تحت الصفر ويتم استيراده من خارج قطاع غزة بكميات معينة شهريًا.
وذكر أن الاحتلال دمّر المركز وقتل النطف التي كانت بداخله على مرحلتين، الأولى كانت في أول 6-7 أسابيع من العدوان على غزة الذي بدأ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول2023.
وأضاف، 'أما المرحلة الثانية في تدمير المركز، كانت في أواخر شهر ديسمبر/ كانون الثاني 2023، أصابت قذيفة أطلقتها دبابة إسرائيلية، مختبر الأجنة في مركز البسمة، وتسبب انفجارها بتدمير المختبر مع جميع ما فيه من أجهزة ومعدات وحافظات الأجنة والنطف المجمدة أيضًا'.
كما بيّن أن كثيرًا من الأزواج في غزة كانوا يبيعون مجوهراتهم أو أجهزتهم المنزلية لدفع تكاليف التلقيح الصناعي، بحثًا عن “فرصة للحياة”.
من بين هؤلاء الأزواج كانت صبا جعفراوي (32 عامًا)، التي خاضت رحلة علاج طويلة استمرت ثلاث سنوات.
تقول صبا إنها 'ما لحقت تفرح بالخبر'، إذ حملت أخيرًا في سبتمبر/أيلول 2023 من أول محاولة ناجحة للتلقيح الصناعي، لكن الحرب اندلعت بعد أسابيع قليلة.
مع اشتداد القصف، أغلقت العيادات الطبية في غزة، بما فيها مركز البسمة، حيث كانت صبا تحتفظ بخمسة أجنة أخرى.
ومع تصاعد القصف، انتقلت صبا إلى مصر في الـ12 من نوفمبر/تشرين الثاني، وفي القاهرة، أظهر أول فحص بالموجات الفوق الصوتية حملها بتوأم وأنهما على قيد الحياة.
لكن بعد بضعة أيام، شعرت صبا جعفراوي بتقلصات مؤلمة ثم نزيف وتحول مفاجئ في بطنها. وصلت إلى المستشفى، لكن حالة الإجهاض كانت قد بدأت بالفعل.
مستذكرة اللحظات الصعبة، بالقول: 'لحتى الآن أنا صوت صراخي في المستشفى وصوت عياطي لحد الآن في وداني... ما في حدا بيحس بألم رحلة التلقيح الصناعي إلا اللي عاشها'.
'أجنة أُبيدت”.. وجه آخر للإبادة الجماعية
حادثة مركز البسمة، كما تقول بيلاي، ليست تفصيلًا ثانويًا في الحرب، بل 'دليل قاطع على أن الإبادة استهدفت حتى الأجيال التي لم تولد بعد'.
وترى أن توجيه القصف نحو مركز يحفظ أجنة أطفال الأنابيب “يُظهر نية واضحة لمحو المستقبل الفلسطيني من جذوره”.
وتختتم بيلاي تصريحها بالقول: 'العالم كله شاهد هذه الجريمة، ولم يتحرك أحد. إنها إبادة تُبثّ على الهواء مباشرة، والسكوت عنها خيانة للإنسانية'.

























































