اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٥ كانون الأول ٢٠٢٥
في مساءٍ ثقيلٍ على غزة، لم يكن الخبر عابرًا، ولا الحدث قابلاً للاختصار في سطرٍ عاجل. اغتيال القائد رائد سعد، باستهداف الاحتلال سيارته بقصفٍ مباشر، فتح بوابة واسعة من الحزن والغضب والفقد، وسرعان ما تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى ساحات رثاء مفتوحة، تستعيد سيرة رجلٍ لم يكن مجرد اسمٍ في سجل القادة، بل حالة إنسانية ونضالية امتدت لعقود.
منذ اللحظات الأولى لانتشار خبر الاغتيال، امتلأت صفحات “إكس” و”فيسبوك” بآلاف المنشورات والتغريدات التي حملت مشاعر متداخلة من الصدمة والأسى، لكنها في الوقت ذاته أعادت تقديم الشهيد رائد سعد بوصفه رمزًا تربويًا وجهاديًا، لا مجرد قائد عسكري اغتالته طائرة. اللافت في هذا التفاعل، أن كثيرًا من الكلمات لم تذهب باتجاه توصيف لحظة الموت، بقدر ما انشغلت باستعادة معنى الحياة التي عاشها، والأثر الذي تركه في الناس.
الناشط ولاء بارود كتب واحدة من أكثر التغريدات تداولًا، حيث ربط بين غزة كفكرة، ورائد سعد كأحد تجلياتها الإنسانية العميقة. قال: “في غزة، لا تُقاس العظمة بما يُرى، بل بما يُحتمل”، لتؤسس لرثاءٍ لا يقوم على البكاء وحده، بل على الفهم العميق لفلسفة الصبر والصمت التي شكّلت حياة القائد الشهيد. وأشار بارود إلى أن رائد سعد كان من أولئك الرجال الذين “تعلّموا كيف يقفون في مهبّ الألم دون أن تنحني أرواحهم”، معتبرة أن حضوره لم يكن ضجيجًا، بل “صبرٌ طويل، وإيمانٌ يُشبه الضوء حين يولد من العتمة”.
وتابع في تغريدتها التي حظيت بتفاعل واسع، أن اسم الشيخ رائد سعد “يمرّ كأثرٍ طيب لا يزول”، مؤكدة أنه آمن بأن “الكلمة مسؤولية، وأن التربية جهادٌ صامت”، وهو توصيف يعكس الصورة التي ترسخت عنه في أذهان كثيرين: قائد يعمل بصمت، ويؤمن بأن بناء الإنسان لا يقل أهمية عن أي فعل مقاوم مباشر. بالنسبة لكثير من المتابعين، بدت هذه الكلمات وكأنها تلخص سيرة رجلٍ آثر أن يكون “معنى يُستدعى كلما ضاقت الطرق”، كما وصف.
على فيسبوك، جاء رثاء الناشط أبو أحمد سمور محمّلاً بمرارة الفقد، لكنه لم يخلُ من نقدٍ ذاتي للأمة. كتب: “أنا حزين.. نعم حزين على فقد الرجال”، قبل أن يضيف أن الحزن مضاعف لأن هؤلاء القادة “لم تعطهم الأمة حقهم”. وربط سمور بين خسارة القادة وازدياد قوة العدو، معتبرًا أن “القائد منهم لا يأتي هكذا صدفة”، بل هو نتاج “عشرات السنين من العمل والتربية والتضحية والنضال”. هذا الخطاب وجد صداه لدى كثيرين، ممن أعادوا نشر كلماته بوصفها تعبيرًا صادقًا عن شعور عام بالعجز والفقد المتراكم.
أما إسماعيل النجار، فقد اختار لغة الشعر، أو ما يشبهه، حين كتب: “يا شيخ هل غمر البكاء حروفنا.. أم عند فقدك ماتت الكلمات؟!”. سؤالٌ عاطفي اختصر حالة العجز عن التعبير، وأظهر كيف أن استشهاد رائد سعد تجاوز كونه خبرًا سياسيًا أو عسكريًا، ليصبح جرحًا وجدانيًا يصعب احتواؤه بالكلمات.
في تغريدة أخرى، قدّم أسامة عفانة قراءة تاريخية مكثفة لمسيرة الشهيد، واصفًا إياه بأنه “أحد رجالات البدايات الأولى للمقاومة”، وابن مخيم الشاطئ الذي عاش ثلاثين عامًا من المطاردة والصبر. وأشار عفانة إلى أن رائد سعد كان من السبعة الذين أسسوا العمل العسكري، جامعًا في شخصه بين صفة العالم والمجاهد، وبين العبادة والعمل، حيث وصفه بأنه “صوّام قوّام، حافظ لكتاب الله”، وثبت “حتى آخر العمر”. هذا الجمع بين البعد الديني والنضالي كان حاضرًا بقوة في معظم الرثاءات، وكأنه السمة الأبرز في صورة الشهيد.
الناشط الاجتماعي يوسف الفيشاوي ذهب في الاتجاه ذاته، لكنه وسّع الدائرة، معتبرًا أن غزة ودعت “ثلة عظيمة من رجالها الأفذاذ من صناع النصر”، وعلى رأسهم “القائد الكبير المؤسس الألمعي الحصيف الفطن الشيخ الفاتح رائد سعد أبو معاذ”. كلمات الفيشاوي لم تكتفِ بتمجيد الفرد، بل وضعته في سياق جماعي، باعتباره جزءًا من جيلٍ استثنائي ربما “لم يعرف التاريخ الحديث له مثيلًا بالبذل والعطاء”.
بدوره، كتب الناشط رمضان نعيم منشورًا حمّل الاستشهاد بعدًا رمزيًا، حين قال إن الشيخ رائد سعد “سلّم الراية لمن بعده”، معتبرًا أن حلمه كان فتح القدس “على خطى الفاتح الناصر صلاح الدين الأيوبي”. هذا الإسقاط التاريخي وجد تفاعلًا واسعًا، خاصة في ظل الشعور العام بأن القادة يغيبون، لكن الفكرة التي يحملونها تبقى.
وفي خضم هذا السيل من الكلمات، جاءت عبارة ربى العجرمي القصيرة: “راح الغالي راح أسدنا”، لتذكّر بأن بعض الأحزان لا تحتاج إلى خطابٍ طويل، وأن جملة واحدة قد تختصر وجعًا كاملًا.
هكذا، لم تكن مواقع التواصل مجرد منصات لنقل الخبر، بل تحولت إلى أرشيف حيّ لسيرة الشهيد رائد سعد، حيث تداخلت اللغة الأدبية مع الشهادة الشخصية، والبعد الديني مع الذاكرة النضالية. وفي كل منشور، بدا واضحًا أن الرجل الذي اغتالته طائرات الاحتلال، لم يُغتل حضوره، بل ربما ازداد رسوخًا في الوعي الجمعي، كأحد أولئك الذين “يصير الإنسان حين يتمسّك بحقه، أقوى من كل ما يُراد لكسره”.

























































