اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٠ أب ٢٠٢٥
أكد الباحث في شؤون القدس زياد بحيص أن سلطات الاحتلال تجاوزت التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى نحو إحلال ديني كامل، من خلال فرض الطقوس التوراتية وتكريس هوية يهودية للمكان، ضمن مشروع سياسي–ديني منسق، يسعى لإعادة تشكيل الجغرافيا المقدسة في فلسطين وفرض وقائع نهائية على حساب الوجود الإسلامي والعربي.
ويرى بحيص في حديثه لصحيفة 'فلسطين' أن ما هو أخطر من الهيمنة هو 'الإحلال الديني'، وهي رؤية صهيونية لا تكتفي بإخضاع الأقصى للسيطرة، بل تسعى إلى إزالة المسجد ذاته وإقامة 'الهيكل' مكانه.
ثلاثية التقسيم
ويضيف، هذا المشروع رغم بعده الزمني وصعوبته، يتقدم بخطوات مدروسة تقوم على تحويل الأقصى من مقدس إسلامي خالص إلى مقدس مشترك، عبر ثلاث مسارات: التقسيم الزماني، والمكاني، والتأسيس المعنوي للهيكل من خلال الطقوس التوراتية.
ويردف بحيص، على الأرض، تمكن الاحتلال من فرض هوية دينية يهودية موازية لهوية الأقصى الإسلامية، ما يعني الانتقال من عتبات التهويد إلى مراحل أكثر تقدمًا منه.
وفي إطار الربط بين الديني والسياسي، يوضح بحيص أن المسجد الأقصى أصبح عنوانا رمزيا لمرحلة 'الحسم' التي أعلن عنها الوزير الصهيوني المتطرف بتسلئيل سموتريتش في عام 2017، وهي السنة نفسها التي دشن فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة.
تلك المرحلة شهدت سلسلة من المواجهات، بدأت بهبة باب الأسباط، مرورا بهبة باب الرحمة، ومعركة سيف القدس، والاعتكاف، وصولا إلى 'طوفان الأقصى'. وفقا لبحيص، فإن تغيير هوية المقدس يمهد لتغيير هوية الأرض والسيادة والسياسة، لأن المسجد الأقصى يشكل عقدة الهوية الأكثر حساسية، مما يجعله في قلب معركة الوجود الفلسطيني.
قوس التهويد من الخليل إلى بيت لحم
يمتد المشروع الصهيوني بحسب بحيص إلى جغرافيا أوسع من القدس، متخذا من الخليل نموذجا متقدما للإحلال الديني. فما يجري في المسجد الإبراهيمي، وتوسيع الاستيطان جنوب الضفة الغربية المحتلة باتجاه القدس، يعكس محاولة لصياغة ما يسميه 'قوسا تهويديا' يربط بين مدن مركزية في الرواية التوراتية: الخليل، بيت لحم، والقدس.
الهدف من ذلك ليس فقط السيطرة الجغرافية، بل تغيير الهوية الرمزية للمكان وتحويله إلى جزء من 'الجغرافيا المقدسة اليهودية'، تمهيدا لنقل مركز الثقل من الساحل إلى الداخل الفلسطيني.
أما على مستوى السياسات المؤسسية، فيؤكد بحيص أن المشروع الصهيوني تجاه المسجد الأقصى لم يعد مجرد فعل لجماعات متطرفة، بل بات سياسة رسمية للدولة العميقة في 'إسرائيل'.
يتبنى هذا المشروع حزب الليكود، كما تتبناه الصهيونية الدينية، ويمضي فيه الشاباك والشرطة والجيش والمحاكم، وكل ذلك بتناغم مع منظمات 'الهيكل' التي تمثل رأس الحربة في تنفيذ الاقتحامات وفرض الطقوس.
طقوس توراتية ثابتة
ويشير الباحث المقدسي، إلى أن جيش الاحتلال بات يتعامل مع المسجد الأقصى كجزء من عقيدته التعبوية، حيث ترفع رايات 'الهيكل' على الدبابات، وتطبع رموز 'المسيح المخلص' على الملابس العسكرية، في مشهد يعكس التداخل الكامل بين التوراة والدولة.
وفي هذا السياق، أشار بحيص إلى أن الاحتلال يسعى لفرض 'طقوس دينية ثابتة' في مواعيد محددة ضمن الأعياد اليهودية، كوسيلة لتثبيت هوية توراتية للمكان.
ومنذ اقتحام عيد الأضحى عام 2019، بدأ الاحتلال عمليا بترسيخ هذه الطقوس، بما يوازي التأسيس لـ'سيادة رمزية قانونية' وإن لم تكن مشروعة بالمعنى الدولي. هنا يشدد بحيص على أن الاحتلال، رغم احتكاره للقوة، يظل مفتقدا للشرعية، والسيادة الحقيقية تتطلب الاعتراف الدولي والشعبي، وهو ما يفتقده الكيان الصهيوني في الأقصى، لذا فإن الاعتراف بأي سيادة صهيونية على المسجد يعد خيانة لمبدأ المقاومة.
الأقصى تجاوز الرمزية
أما عن المواقف الإقليمية والدولية، فقد وصف بحيص الصمت المطبق تجاه الانتهاكات في الأقصى بأنه نتاج فشل تاريخي للنظام العربي الرسمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الأولى. هذا النظام، برأيه، فشل في صد العدوان الصهيوني كما فشل في إدارة التنمية الداخلية، وحينما ثارت الشعوب ضده، واجهها بالقمع وكي الوعي.
واليوم، يجد هذا النظام في أي محاولة لإحياء التحدي الصهيوني تهديدا لوجوده، ولذلك يقف ضد المقاومة ويشكك في حركات النهوض الشعبي، بما فيها 'طوفان الأقصى'.
وفي سؤال أخير حول معنى 'نصرة الأقصى' في ظل اختلال موازين القوى وتراجع الأدوات التقليدية، يؤكد بحيص أن المعركة تجاوزت منذ سنوات طابعها الرمزي أو الهوياتي. نحن الآن، كما يقول، أمام حرب تصفية شاملة تهدف إلى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط بالقوة، من خلال الإبادة في غزة، والتهويد في القدس، والتهجير في الضفة والداخل، ومحاولات تقويض المقاومة في لبنان وسوريا واليمن، بل وحتى تغيير النظام في إيران.
في ظل هذا الواقع، يؤكد بحيص أن الانتصار للأقصى لم يعد عملا تطوعيا، بل معركة وجودية لا خيار فيها إلا المواجهة