اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تعيش مدينة غزة وعموم القطاع واحدة من أشدّ أزماتها الإنسانية قسوة في التاريخ الحديث، إذ تتفاقم أزمة المياه يومًا بعد يوم، لتصبح كابوسًا يلاحق السكان العائدين من رحلة النزوح القاسية، بعدما دمر جيش الاحتلال 'الإسرائيلي' البنية التحتية المائية خلال اجتياحه الواسع للمدينة ومختلف مناطق القطاع.
ومنذ اندلاع حرب الإبادة المدمرة على القطاع، في السابع من أكتوبر 2023، استهدفت آلة الحرب 'الإسرائيلية' مصادر المياه في مناطق العمليات العسكرية بشكل مباشر، فقصفت الآبار الرئيسية والخطوط الناقلة ومحطات الضخ والتحلية، ما أدى إلى خروج معظمها عن الخدمة، ونتيجة لذلك، حُرم عشرات الآلاف من العائلات من المياه اللازمة للشرب والاستخدام اليومي.
ويؤكد خبراء محليون، أن هذا التدمير لم يكن عشوائيًا، بل جاء ضمن سياسة ممنهجة تهدف إلى شلّ مقومات الحياة الأساسية ودفع السكان إلى مغادرة مناطقهم، في إطار 'التهجير القسري الصامت' عبر الحصار والعطش والجوع.
عائدون بلا حياة
ويصف محمد أبو وطفة، أحد العائدين إلى شمال القطاع، الوضع بـ'اللامحتمل'، قائلاً: 'منذ عودتي قبل أسابيع، أبحث يوميًا عن الماء، وأقطع مسافات طويلة سيرًا على الأقدام لأجد كميات قليلة لا تكفي أسرتي يومًا واحدًا، ولم تعد خطوط المياه تصل إلينا كما كانت من قبل، والمنطقة تحوّلت إلى أرض بلا حياة'.
ويضيف أبو وطفة، لـ 'فلسطين أون لاين': أن استمرار هذا الواقع سيجبر كثيرين على الاستمرار بالنزوح القسري في وسط القطاع، رغم سوء الأوضاع هناك، مشددًا على ضرورة تدخل عاجل من المؤسسات الدولية لإغاثة السكان وإنقاذ ما تبقى من حياة في غزة.
وفي حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، الذي كان يعد من المناطق الأكثر كثافة سكانية، يروي المواطن سالم الغوراني، تفاصيل 'الدمار الشامل'، قائلاً: 'خلال توغله الأخير، دمّر جيش الاحتلال جميع الآبار التي أنشأها أهالي الخير من داخل القطاع، وخارجه لتأمين المياه للسكان، كما فجر الخطوط الناقلة وشبكات المياه والصرف الصحي بشكل كامل'.
ويرى الغوراني، لـ 'فلسطين أون لاين': أن استهداف مصادر المياه جزء من خطة إسرائيلية لـ'تدمير الحياة في غزة وجعلها غير صالحة للسكن'، بهدف إرغام الأهالي على الرحيل خارج المدينة، بل وخارج القطاع كله.
ويتابع قائلاً: 'لكن هذا لن يحدث، فشعبنا متمسك بأرضه رغم كل الدمار، وواجب على الدول العربية والإسلامية أن تحاسب الاحتلال على جرائم الإبادة الجماعية التي تشمل تدمير المياه والبنى التحتية'.
معاناة يومية
من جانبه، يصف المواطن عماد أبو سلطان، مشهد الحياة في غزة اليوم بأنه 'مهمة للبقاء على قيد الحياة'، مضيفًا: أن الحصول على الماء أصبح أصعب من أي وقت مضى.
وأضاف لـ 'فلسطين أون لاين': 'نسير لساعات بحثًا عن مياه صالحة للشرب أو للاستخدام المنزلي، وغالبًا ما نحملها في دلاء صغيرة، مردفًا الاحتلال دمر كل ما يمكن أن يمدنا بالحياة عمدًا لإجبارنا على الرحيل'.
وبحسب شهادته، تعتمد كثير من العائلات اليوم على محطات التحلية القليلة التي أنشئت بتبرعات عربية ودولية، لكنها تعمل بقدرة محدودة بسبب انقطاع الكهرباء وشح الوقود، ما يجعل الحصول على الماء رحلة انتظار طويلة في طوابير لا تنتهي.
وتحاول بعض الجمعيات والمتطوعين التخفيف من المعاناة عبر نقل المياه إلى المناطق المدمرة بواسطة شاحنات خاصة، لكن هذه الشاحنات نفسها تنتظر لساعات لتعبئة المياه من المحطات القليلة العاملة، ثم تواجه صعوبة في التنقل وسط الركام والطرقات المدمرة.
مدينة منكوبة
من جهتها، أكدت بلدية غزة في بيان رسمي، أن المدينة تعيش كارثة إنسانية غير مسبوقة، موضحة أن آثار الحرب شملت كل مفاصل الحياة والبنى التحتية والخدمات العامة.
وجاء في البيان الذي نشر على موقعها الرسمي: 'حوّل الاحتلال مدينة غزة إلى ركام، ودُمّرت الطرق، والآبار، ومحطات الصرف الصحي، وشبكات المياه والإنارة والاتصالات، وآليات البلدية والحدائق والمباني العامة والخاصة، نحن أمام شلل شبه تام في تقديم الخدمات الأساسية، وسط تفاقم الأوضاع الصحية والبيئية'.
وأضافت البلدية: أن مئات الآلاف من السكان يعيشون اليوم بلا مياه نظيفة أو غذاء كافٍ أو مأوى آمن، بينما تزداد المخاطر مع اقتراب موسم الأمطار في ظل غياب أي تجهيزات لتصريف المياه أو مواجهة الكوارث.
وأكدت أن استمرار الحرب يهدد بانهيار كامل لما تبقى من بنى تحتية، داعية المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية إلى تحرك عاجل لإنقاذ المدينة ودعم جهود البلدية لتأمين الحد الأدنى من الخدمات الأساسية.
مستقبل مجهول
ويرى مراقبون، أن أزمة المياه في غزة، قد تتحول إلى كارثة بيئية وصحية طويلة الأمد، إذ إن إعادة تأهيل الشبكات والآبار ومحطات التحلية تحتاج إلى سنوات وجهود دولية ضخمة، خاصة في ظل استمرار الحصار ونقص الموارد.
ويحذر خبراء المياه، من أن ملوحة المياه الجوفية تتزايد بشكل خطير نتيجة توقف الضخ المنتظم، وهو ما قد يجعل المياه غير صالحة للاستخدام حتى بعد إعادة الإعمار، ما لم تُتخذ خطوات عاجلة لإعادة تأهيل الشبكات ومعالجة التلوث.
وفي ظل هذا الواقع، تبقى غزة مدينة عطشى تصارع للبقاء على قيد الحياة، بينما يقف المجتمع الدولي عاجزًا أمام مشهد تتلاشى فيه أبسط حقوق الإنسان، حقّه في الماء.

























































