اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٢٥ حزيران ٢٠٢٥
خاص _ شهاب
تعيش الضفة الغربية في هذه الفترة لحظة عصيبة من التدهور الاقتصادي والمعيشي غير المسبوق، حيث تتكاثف الأزمات في مشهد يعكس تعقيد الواقع السياسي وتداخل تأثيرات الاحتلال مع مظاهر الانقسام والضعف المؤسسي التي تعيشه مؤسسات السلطة.
وتتصدر أزمة الشيقل واجهة المشهد المالي، مع شحّ السيولة النقدية وازدياد الطلب على الدولار والدينار، ما يفاقم من اختلال السوق النقدي ويؤثر مباشرة على القدرة الشرائية للمواطنين، بالتوازي، تقف أزمة الوقود — ديزل وبنزين — كعائق يومي أمام حركة الأفراد والبضائع، في ظل تأخّر الإمدادات وارتفاع الأسعار، ما يضغط على كل من القطاعين العام والخاص، ويزيد من الأعباء على المواطن الفلسطيني.
في ذات السياق، يعاني المواطنون من أزمة الدفع المسبق في الكهرباء والماء، حيث تتحول هذه الخدمات الأساسية إلى عبء إضافي في ظل غياب الرواتب المنتظمة، وتأخير الرواتب أو صرفها بنسبة جزئية أصبح ظاهرة متكررة، مما يفاقم نسب البطالة المرتفعة أصلاً، ويعمّق من هشاشة الوضع المعيشي، ومع الانكماش الاقتصادي، تظهر أزمة الغاز المنزلي كعامل آخر يؤثر على الحياة اليومية، خصوصاً في المناطق الريفية والمخيمات.
لكن المأساة لا تقف عند الجانب الاقتصادي، إذ تفرض الحواجز العسكرية 'الإسرائيلية'، التي تتزايد عدداً وتشديداً، قيوداً قاسية على الحركة والتنقل، بينما تتصاعد وتيرة الاقتحامات الليلية التي تطال مدن الضفة وقراها، في مشهد يومي يعيد للأذهان أشدّ مراحل التصعيد الأمني، هذه الاقتحامات لا تستهدف فقط 'مطلوبين'، بل تُلقي بظلالها على الحياة العامة، محدثة أجواء من القلق والاضطراب الدائم.
التساؤلات الجادة تطرح في هذه الأوقات لماذا تغرق الضفة الغربية بالأزمات في هذا التوقيت تحديداً؟ هل هي نتيجة سياسات ممنهجة من الاحتلال لتفكيك البنية المجتمعية؟ أم هي انعكاس لفشل السياسات الاقتصادية الفلسطينية الداخلية؟ أم أن ما يحدث هو تراكب لمجموعة من الأزمات في لحظة سياسية حرجة تشهد انسدادًا في الأفق السياسي وتعثرًا في جهود المصالحة؟ هذا ما يحاول التقرير التالي تفكيكه.
التبعية الاقتصادية للاحتلال
المختص في الشأن الاقتصادي أحمد أبو قمر، أكد أن الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية مرتبط بشكل وثيق ببروتوكول باريس الاقتصادي الذي وُقّع بعد اتفاقية أوسلو، موضحاً أن هذا البروتوكول ساهم في تكريس التبعية الاقتصادية للاحتلال 'الإسرائيلي' وجعل الاقتصاد الفلسطيني تحت سيطرته الكاملة.
وأوضح أبو قمر في تصريح خاص لوكالة 'شهاب' للأنباء، أن بروتوكول باريس جعل من عملة الشيكل أداة للضغط على الاقتصاد الفلسطيني، مشيراً إلى أن 'إسرائيل' ترفض العمل بالاتفاقات المقرّة وتفرض قيوداً على تدفق الشيكل الفلسطيني إلى الأسواق المحلية.
هذه السياسات، بحسب أبو قمر، تستهدف التضييق على المواطنين الفلسطينيين عبر خلق أزمات سيولة ورفض إدخال الأموال المتراكمة في البنوك الفلسطينية، مما يعمّق الأزمة الاقتصادية بشكل متزايد.
وأشار أبو قمر إلى أن أزمة الشيكل ليست الوحيدة التي تواجه الاقتصاد الفلسطيني، بل امتدت الأزمة لتشمل نقصاً في الوقود (الديزل والبنزين)، مما أدى إلى تكدس الأموال في محطات الوقود التي باتت تعاني من فائض في الشيكل الذي لا تستطيع صرفه.
وأضاف أن هذه الأزمة مرتبطة بشكل مباشر بمشكلة السيولة وعدم قدرة البنوك الفلسطينية على التعامل مع هذا التكدس، مما دفع بعض المحطات إلى الإغلاق في محاولة للحد من الخسائر.
قلق متزايد من الأزمة
وأعرب أبو قمر عن قلقه من تداعيات هذه الأزمات على الاقتصاد الفلسطيني، مشيراً إلى أن البطالة في الضفة الغربية قد ارتفعت إلى مستويات غير مسبوقة، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نسبة البطالة تقترب من 30%، وهو ما يعتبر ارتفاعاً ملحوظاً مقارنة بالأعوام السابقة.
كما أشار إلى أن هذه الأزمات الاقتصادية ليست مجرد مشكلات مالية، بل هي جزء من سياسة 'إسرائيلية' تهدف إلى فرض السيطرة على الضفة الغربية ودفع الفلسطينيين للهجرة والرحيل.
وبين أبو قمر أن هذه السياسات تأتي في إطار خطة اليمين المتطرف في 'إسرائيل'، والتي تسعى لتوسيع سيطرتها على الأراضي الفلسطينية.
وأكد أبو قمر أن الأزمات الاقتصادية التي تمر بها الضفة الغربية، بما في ذلك ارتفاع البطالة والنقص الحاد في السيولة، هي مدخل رئيسي للمشكلات الاجتماعية والسياسية، حيث تهدف 'إسرائيل' من خلالها إلى تكريس واقع اقتصادي يفرض على الفلسطينيين مزيداً من المعاناة ويعزز من مخططات التهجير.
وأشار إلى أن هذه الأزمة الاقتصادية لا تقتصر فقط على الضفة الغربية، بل تشمل أيضاً قطاع غزة، مشيراً إلى أن الظروف المعيشية هناك تشهد تدهوراً مستمراً نتيجة السياسات 'الإسرائيلية' المتبعة.
ودعا أبو قمر إلى ضرورة التحرك الفلسطيني لتقليل التبعية الاقتصادية والبحث عن حلول مبتكرة للتخفيف من حدة الأزمات الاقتصادية التي يواجهها الشعب الفلسطيني في الضفة وغزة.
ضغط وتضييق
من جانبه قال الخبير في الشأن 'الإسرائيلي'، الدكتور عمر جعارة، إن ما يحدث في قطاع غزة سيُطبق في الضفة الغربية، مشيراً إلى أن الإجراءات القاسية التي يشهدها القطاع ستكون ملامحها واضحة في الضفة أيضًا.
وأضاف جعارة في تصريح خاص لوكالة 'شهاب'، أن الممارسات 'الإسرائيلية' مثل الحواجز والاقتحامات وحرق السيارات، تشبه تلك التي كانت تحدث في العهد القديم، مؤكداً أن 'إسرائيل' لا ترى في الفلسطيني إلا عدوًا استراتيجيًا.
وأشار إلى أن الأزمة في الضفة الغربية ستستمر في التصاعد، حيث ستكون أكثر تعقيدًا من الوضع في غزة، موضحًا أن دولة الاحتلال تسعى إلى السيطرة على كافة نواحي الحياة الفلسطينية من خلال التحكم في الأموال والعملات، حيث منعت 'إسرائيل' تداول الشيكل، وهو ما يعتبر مخالفًا لجميع القوانين الدولية.
وأوضح الدكتور جعارة أن هذا التصعيد جزء من سياسة 'إسرائيلية' تهدف إلى الضغط على الفلسطينيين في مختلف المجالات الحياتية والوجودية، مؤكدًا أن مشروع الدولة الصهيونية فشل في جذب يهود العالم إلى 'إسرائيل'، لذلك تبقى فلسطين هي التهديد الأكبر بالنسبة لهذا الكيان.
وفي ختام تصريحاته بين جعارة أن السياسات 'الإسرائيلية' يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار من قبل كافة الدول العربية، داعياً إلى ضرورة التحرك لمواجهة هذه السياسات التي تهدف إلى تدمير الوجود الفلسطيني سواء كان من خلال المفاوضات أو المقاومة.
أزمة تتجدد
وكل بضع سنوات تطفو مشكلة تكدس الشيكل في المصارف العاملة بالضفة الغربية، لتشكل مع عوامل أخرى مزيدا من الضغط على الاقتصاد والمواطن الفلسطيني المنهك والمحاصر، وسط مساع رسمية للبحث حلول.
ووفق معطيات سلطة النقد الفلسطينية، وهي بمثابة البنك المركزي، تتلخص المشكلة في عدم قدرة المصارف على شحن فائض عملة الشيكل إلى البنوك 'الإسرائيلية' مما يؤدي إلى تراكمها في خزائن البنوك ويحد من تنفيذ المعاملات التجارية اليومية مع الجانب 'الإسرائيلي'.
ومع أن سلطة النقد الفلسطينية أصدرت تعليماتها للبنوك بضرورة استقبال عملة الشيكل ضمن محددات معينة، وحددت سقف الإيداع بـ5 آلاف شيكل للأفراد، يشتكي مواطنون من عدم التزامها.