اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الثاني ٢٠٢٥
عندما يصبح خبر استشهاد أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال عادياً ومتكرراً، يمكننا أن نتوقع مزيداً من جرائم حكومة الاحتلال ضد الأسرى، لا أن نستنتج فقط مدى التنكيل والقهر اللذين يطالا الأسرى داخل السجون، بعد انقلاب الوضع فيها إلى أسوأ حال منذ تولي إيتمار بن غفير وزارة الأمن القومي، ثم تطورات حرب الإبادة على غزة، وما رافقها من عدوانية صهيونية مطلقة انعكست على كل مجالات تعاملها مع الفلسطينيين، وفي قلب ذلك كله كان الاستفراد بالأسرى واعتماد منهجية جديدة في التنكيل بهم، فاقت كل حد ممكن للوحشية، وكان من نتائجها إعدام العشرات من الأسرى داخل السجون، إما نتيجة التعذيب أو تركهم للأمراض دون علاج، وإما عبر تنفيذ إعدامات مباشرة كتلك التي طالت أسرى النخبة من كتائب القسام، الذين تم اعتقالهم يوم العبور في السابع من أكتوبر، وقد حملت الجثامين التي أفرج عنها إلى غزة مؤخراً كثيراً من آثار تلك الوحشية الجنونية.
وليس متوقعاً ولا منتظراً من هذا الاحتلال أن يقف عند حد، أو يلزم نفسه بأخلاقيات الحروب وحقوق الأسرى، حتى لو توقفت حرب إبادته على غزة، فنزعة الإبادة هذه ستظل ملازمة له حتى زواله، وسنشهد تجلياتها في كل ميادين سيطرته.
وفي السجون، حيث تتوارى الفظائع بعيداً عن توثيق وسائل الإعلام أو شهادات الضحايا، فإن فصول الجريمة ستتصاعد، ولا يبدو أن حكومة الاحتلال قد اكتفت بما أحدثته في السجون من تجويع وعزل وقمع يومي وتعذيب وحشي بلا ضوابط، ونشر للأمراض بين الأسرى، فقد صادقت لجنة الأمن القومي في الكنيست بالقراءة الأولى على مشروع قانون إعدام الأسرى، امتداداً لجرائم الحرب في غزة، واستهتاراً بكل نداءات الشجب والاستنكار التي صدرت أو ستصدر، وستشبع هذا القانون إدانة وتأكيداً على مخالفته لكل الشرائع الدولية.
الإرهاب الصهيوني الذي غدا سلوكاً رسمياً معلناً لم يعد يجدي معه كلام البيانات، ومنذ السماح بتسريب مقطع الفيديو الذي يُظهر اقتياد أسير فلسطيني للاغتصاب قبل عدة أشهر، في سجن سدي تيمان، كان واضحاً أن كيان الإبادة بكل منظوماته قد تواطأ على تكريس صورة إرهابه في النفوس، وعلى استهتاره بكل العالم، وتوافق على ضرورة أن يفعل ما يشاء ليردع العالم كله، وليشيع الهلع والصدمة في وعي من يفكر في مقاومته، وشهادات الأسرى الذين تحرروا من سجونه تقول ذلك بكل وضوح.
صحيح أن الأسير الذي كان قد امتلك إرادة المواجهة وقتال المحل قد حسم مصيره مسبقاً وتوقع الشهادة وليس فقط الأسر، لكن تشريع قانون الإعدام للأسرى يحمل دلائل خطيرة في ذاته وأبعاده اللاحقة، خصوصاً أنه سيكرس منهجية جديدة في القتل، وسيحول السجون ومراكز التحقيق إلى محطات للتصفية، وسيحيّد القانون ولو كان شكلياً وتصبح معه المحاكمات بلا قيمة، كما سيلغي الأحكام السابقة ضد الأسرى، ويجعل مئات منهم في حكم الموتى، سواء من يتم اعتقاله حديثاً أو من مضى على اعتقاله سنوات عديدة، وكان يعيش على أمل التحرر في صفقات المقاومة، كون حكم المؤبد يمثل موتاً مؤجلاً للأسير.
شرعنة قتل الأسير الفلسطيني ستعني أن كل من يعتقل في سجون الاحتلال قد يصبح هدفاً للاغتيال وليس فقط منفذي العمليات المقاومة، وهي سياسة تتسق مع (إسرائيل الجديدة) التي لم تعد تحتاج إلى ذريعة للقتل والتي باتت الإبادة منهجاً مفضلاً لديها، وكذلك تحويل حياة الفلسطينيين إلى جحيم، داخل وخارج سجونها.
هذا الإرهاب في مرحلة ما بعد الإبادة يفرض تحديات كبيرة وجديدة على المقاومة الفلسطينية داخل فلسطين وخارجها، بل على كل مشروع مقاوم للإرهاب الصهيوني، حيث لم يعد يجدي كثيراً مقابلة الواقع الجديد بأدوات التعقل التقليدية في المواجهة، أو بالتسليم بمنطق الغطرسة لحكومة الكيان، أو بتجاهل تفاعلات إرهابها على الأرض وآثاره في الوعي، لأن هزيمة الوعي أنكى من الهزيمة المادية، وآثارها أطول وأثقل، خصوصاً إن رافقها شح في الرجال وغياب كثيف للرموز المقاومة، أو تجاهل لخطورة تصفيتهم في السجون، وتحويل هذه القلاع التي كانت تعيد ترميم عزائم الرجال إلى مذبح لهم.

























































