اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
من خلف أقبية زنازين الظلم الإسرائيلية المعتمة، خرج الأسرى المحررون من سجون الاحتلال 'الإسرائيلي' مُحملين بآلام لا تروى وأجسادٍ منهكة تظهر عليها آثار القيود والتعذيب وذاكرة مثقلة بمشاهد الموت والاذلال، ضمن سياسات ممنهجة.
هؤلاء الأسرى الذين جرى الإفراج عنهم ضمن صفقة التبادل التي أبرمتها المقاومة الفلسطينية مع الاحتلال بوساطة أمريكية وقطرية ومصرية قبل أيام، بعد أن أمضوا شهوراً طويلة من الاعتقال والتنكيل، حملوا معهم شهادات دامغاً على بشاعة تعامل ذلك السجان 'الإسرائيلي' الذي يضرب القيم والمبادئ الإنسانية ويخرق القوانين الدولية.
وبات واضحاً أنه منذ اندلاع حرب الإبادة على قطاع غزة في السابع من أكتوبر 2023، تحوّلت سجون الاحتلال إلى مراكز تعذيب جماعي استُخدمت فيها أبشع الوسائل والأساليب لإذلال الاسرى في ظل غياب شبه كامل للرقابة الدولية ومنع متعمد لزيارة اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمؤسسات الحقوقية.
وتُقدر المؤسسات الحقوقية الفلسطينية أن أكثر من 9 آلاف أسير يقبعون في سجون الاحتلال في ظروف قاسية بينهم مئات من النساء والأطفال والمرضى، بينما تؤكد تقارير صادرة عن تلك المؤسسات أن ما لا يقل عن 78 أسيراً استشهدوا داخل السجون منذ بداية العدوان نتيجة التعذيب والإهمال الطبي.
الأسير المحرر محمد صالح أحد المفرج عنهم ضمن صفقة التبادل الأخيرة، يروي لحظات اعتقاله في ديسمبر 2023 حين اقتحم جيش الاحتلال مدرسة عبدالله الدحيان في حي الشيخ رضوان، والتي كانت تؤوي مئات النازحين.
يقول صالح لـ 'فلسطين أون لاين': 'اقتادوني إلى منطقة زيكيم أقصى شمال القطاع، حيث قضيت يومين عارياً في الهواء والبرد. ثم نقلوني إلى معسكر سديه تيمان، وبعده إلى سجني النقب وعسقلان، وهناك ذقت كل صنوف العذاب الجسدي والنفسي لإجباري على اعترافات لا علاقة لي بها'.
على مدى عشرة أشهر من الاعتقال، عاش محمد في عزلٍ انفراديٍ تام، مكبل اليدين ومعصوب العينين، فيما كانت إدارة السجن تسحب منهم الأغطية والفُرش فجراً وتعيدها ليلاً.
في إحدى جلسات التحقيق، هدده المحقق قائلاً: 'لقد أعدمنا زوجتك وأبناءك'، في محاولة لتحطيمه نفسياً. كما تعرّض خلال اقتحامات ليلية متكررة من وحدات 'المتسادات' الإسرائيلية للضرب المبرح ورشّ الغازات الخانقة، حتى أصيب إصابة خطيرة في قدمه اليمنى أدّت إلى عملية جراحية ما زالت آثارها تؤلمه حتى اليوم.
يختم محمد شهادته قائلاً: 'كان وزني قبل السجن 92 كيلوغراماً، وخرجت منه بوزن 59. رسالتي: أنقذوا من تبقّى في الأسر، فهم يواجهون الموت البطيء'.
من جانبه، يؤكد مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان علاء السكافي، أن شهادات الأسرى المحررين تضع العالم أمام جرائم حرب مكتملة الأركان.
ويقول السكافي لـ'فلسطين أون لاين': 'ما وثقناه من إفادات المعتقلين المفرج عنهم يثبت أن التعذيب لم يكن تصرفاً فردياً، بل سياسة رسمية نُفّذت بأوامر من المستويين السياسي والعسكري'.
ويضيف: 'بعد السابع من أكتوبر، تحوّلت السجون إلى مقابر للأحياء، حيث شهدنا أساليب جديدة من التعذيب، منها العنف الجنسي واستخدام الكلاب البوليسية، والحرمان من النوم والعلاج والطعام. الاحتلال منع حتى الصليب الأحمر من زيارة المعتقلين، في انتهاك صارخ لكل القوانين الدولية'.
ووفق ما وثقته المؤسسات الحقوقية، استشهد أكثر من 78 أسيراً في سجون الاحتلال نتيجة التعذيب وسوء المعاملة منذ بدء حرب الابادة، في ظل غياب تام للرقابة الدولية.
ويؤكد السكافي أن مؤسسته، بالتعاون مع مؤسسات أخرى، قدمت إحاطات وتقارير للأمم المتحدة ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، وأدرجت جرائم العنف الجنسي والتعذيب ضمن ملفات تُحضّر لعرضها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
ويتابع: 'الجرائم لا تسقط بالتقادم، لكننا نحتاج إلى إرادة دولية لكسر جدار الحصانة الذي يحمي مجرمي الحرب الإسرائيليين'.
ويختم السكافي حديثه قائلاً: 'قد تتأخر العدالة، لكنها لن تغيب. الملفات القانونية جاهزة، واليوم الذي يُحاكم فيه قادة الاحتلال على جرائمهم قادم لا محالة'.
انحطاط إنساني
في سياق متصل، يقول منسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء حسين شجاعية، إن الصور التي أظهرت تكبيل الشهداء بعد استشهادهم تعكس مدى الانحطاط الإنساني في تعامل الاحتلال مع الأسرى والمعتقلين.
ويضيف شجاعية لـ'فلسطين أون لاين': 'ما جرى مع الجثامين هو امتداد للتنكيل الذي شهده الأسرى الأحياء، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم ويجب أن تُوثق جيداً لليوم الذي يُحاكم فيه قادة الاحتلال'.
وطالب شجاعية المؤسسات الحقوقية بتكثيف جهودها لتشكيل لجان تحقيق دولية مستقلة، مؤكداً أن استعادة الجثامين ومحاسبة المسؤولين هما واجب وطني وإنساني.
وفي تقرير حديث، أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وجود دلائل واضحة على تعذيب وحشي تعرض له الأسرى الذين أفرجت عنهم سلطات الاحتلال مؤخراً، مشيراً إلى أن بعض الجثامين التي أعيدت من السجون تحمل آثار إعدامات ميدانية وتعذيب متعمد.
وطالب المرصد بفتح تحقيق دولي عاجل ومستقل لكشف ملابسات هذه الجرائم ومحاسبة مرتكبيها، مؤكداً أن ما جرى يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف.
تجمع الشهادات والتقارير على أن ما جرى في سجون الاحتلال ليس مجرد تجاوزات، بل سياسة دولة قائمة على الانتقام الجماعي والتعذيب المنهجي.
ومع توثيق كل جريمة وفتح كل ملف جديد، تتجدد المطالبة بضرورة محاسبة قادة الاحتلال أمام المحاكم الدولية، ووقف سياسة الإفلات من العقاب التي شجعت على مزيد من الجرائم.