اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٥ تشرين الأول ٢٠٢٥
في لحظة حاسمة تتقاطع فيها موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين مع تصعيد المخططات لتفريغ القضية من مضمونها، أعلنت حركة حماس موقفا اعتبر على نطاق واسع 'رسالة سياسية استباقية' في مواجهة خطة ترامب، عبر إعلانها الاستعداد لتسليم إدارة قطاع غزة لهيئة وطنية من المستقلين التكنوقراط، تشكل بالتوافق الفلسطيني وتكون مدخلا لترتيب البيت الداخلي على أسس وطنية وشراكة سياسية.
حماس أكدت في بيانها أول أمس، أن أي نقاش حول غزة وحقوق الشعب الفلسطينية الواردة في الخطة الأميركية يجب أن يعالج ضمن إطار وطني جامع، يرفض الإملاءات الخارجية، ويستعيد زمام المبادرة الفلسطينية بعيدا عن مشاريع الوصاية وتفكيك الجغرافيا والوحدة السياسية.
وقد رحبت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بهذا الموقف، واعتبرته خطوة في الاتجاه الصحيح، مجددة دعوتها إلى لقاء وطني عاجل وشامل يضم جميع القوى والفصائل دون إقصاء، لمواجهة التحديات الخطيرة التي تفرضها الخطة الأميركية، ولمواكبة التحول الدولي الذي يمنح الفلسطينيين فرصة سياسية نادرة، لا يجب أن تهدر في ظل انقسام داخلي وقيادة عاجزة عن ترجمة التضحيات والإنجازات على الأرض.
الاعترافات الدولية: فرصة سياسية
يقول الخبير في الشؤون السياسية ماهر عبد القادر، إن موجة الاعترافات الدولية بدولة فلسطين تمثل 'خطوة في الاتجاه الصحيح'، لكنها لا تغير الواقع على الأرض فورا. إلى جانب ذلك، فإن هذه الاعترافات تعزز الموقف الدولي الفلسطيني عبر رفع مكانة فلسطين إلى سفارات كاملة الدبلوماسية في أكثر من 80 دولة، وهو عدد يفوق عدد الدول المعترفة بإسرائيل. هذه المكانة الدبلوماسية تجعل من الاحتلال الإسرائيلي أكثر عزلة، وتزيد الضغط على حاميتها الولايات المتحدة، خصوصا مع تنامي الإدانة الدولية لجرائم الحرب في غزة والضفة.
لكن عبد القادر يؤكد في حديثه لصحيفة 'فلسطين'، أن قيادة السلطة الفلسطينية تعاني من انقسام حاد وشرعية متآكلة، بينما تلتزم القيادة الإسرائيلية بقيادة يمينية فاشية بمنع قيام دولة فلسطينية بأي ثمن. وبذلك، تبقى العقبات أمام إقامة دولة فلسطينية مترابطة وقابلة للحياة هي ذاتها قبل تصاعد الاعترافات.
ويشير إلى أن الاعترافات الدولية جاءت مشروطة في كثير من الأحيان بإصلاحات تخدم مصالح الاحتلال، أو إنهاء دور حماس والمقاومة، واستبعاد قضايانا الأساسية كقضية الأسرى. لذلك، على الفلسطينيين أن يواصلوا مقاومة الانقسام والوصاية الخارجية، ويجعلوا من هذه الاعترافات قاعدة لتوحيد الصف الفلسطيني وبناء نظام سياسي قادر على التصدي.
تفريغ محتوى الدولة وتكريس الوصاية
من جهته، يرى الخبير في الشؤون السياسية الدكتور نعيم الريان أن خطة ترامب تمثل مشروعا إسرائيليا يمينيا يمس جوهر حقوق الفلسطينيين التاريخية، ويرفض قيام دولة فلسطينية على أي أرض في فلسطين التاريخية.
ويشير الريان في حديثه لصحيفة 'فلسطين'، إلى أن خطة ترامب ليست خطة سلام أو تسوية، بل هي خطة أمنية بامتياز، تهدف إلى تثبيت الاحتلال وتعميق السيطرة على الأرض، ومنع قيام دولة فلسطينية ذات سيادة أو حتى وجود إداري فلسطيني مستقل.
ويعتبر أن النظام السياسي الفلسطيني الحالي، المهيمن عليه من قبل السلطة، هو جزء من هذه الخطة، حيث تم تفصيله ليخدم المصالح الخارجية ويقمع المقاومة ويستجيب لشروط الاحتلال، ما يجعله غير قادر على الاستجابة للحقوق الوطنية أو مصالح الشعب الفلسطيني.
ولفت إلى أن حماس رغم مرونتها في التعاطي مع خطة ترامب، حرصت على تجنب الانزلاق في فخ الموافقة الكاملة، عبر إحالة البنود الجوهرية إلى توافق وطني، ما يعكس سعيها للحفاظ على الشراكة الفلسطينية وتجنب العزلة السياسية.
في المقابل، يرى الريان أن السلطة الفلسطينية تبدو في موقع الانتظار الحذر، تراهن على لحظة سياسية تتيح لها العودة إلى غزة، دون أن تعارض علنا أي ترتيبات دولية تفرض على القطاع. ووفق تقييمه، فإن السلطة تراهن على الزمن والدعم الخارجي، مستعدة للعب دور إداري جديد في إطار 'الدولة' الموعودة، دون أن تملك القدرة على فرض شروط أو تغيير المسار، ما يجعلها جزءا من السياق الدولي أكثر من كونها معبرة عن إرادة داخلية فلسطينية.
ويؤكد أن التحديات التي تواجه الفلسطينيين على الصعيد الداخلي، من انقسام وعدم شرعية السلطة، وعدم وجود انتخابات أو مشاركة حقيقية، تزيد من خطورة المرحلة القادمة، التي قد تشهد المزيد من التآكل للحقوق الفلسطينية.
النظام السياسي: ضرورة إعادة البناء
الخبير في الشؤون السياسية والدبلوماسي الفلسطيني السابق د. علاء أبو عامر يؤكد في حديثه لصحيفة 'فلسطين'، أن بناء نظام سياسي فلسطيني قوي وفعال يتطلب استعادة الشرعية عبر انتخابات حرة ونزيهة، وإشراك جميع القوى والفصائل في حوار وطني جاد، يهدف إلى تجاوز الانقسام وتعزيز الوحدة.
ويشير إلى أن الواقع الحالي، مع استمرار الانقسام وتدخلات إقليمية ودولية، يجعل تحقيق هذا الهدف صعبا للغاية، وأن أي تغييرات فعلية في النظام تحتاج إلى توافق إقليمي ودولي يعكس إرادة الشعب الفلسطيني.
وينتقد أبو عامر بشدة فكرة إدارة غزة من قبل جهات دولية أو خارجية، مؤكدا أنها لن تنجح في فلسطين كما فشلت في دول أخرى، وأن الحل يجب أن يأتي من الداخل الفلسطيني وبقيادة وطنية شرعية.
بناء نظام موحد لمواجهة التحديات
يبدو واضحا أن الرد الفلسطيني الحاسم على التطورات الدولية وخطة ترامب، هو استعادة الوحدة الوطنية، وترتيب البيت الفلسطيني الداخلي على أسس وطنية، بما يحفظ الحقوق والمكتسبات، ويحول موجة الاعترافات الدولية إلى واقع ملموس على الأرض.
ويتطلب ذلك، وفق الخبراء، إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني عبر انتخابات حرة، وحوار وطني شامل يضم الجميع، بعيدا عن الوصاية الخارجية، وحماية المشروع الوطني من محاولات التفكيك والوصاية.
في ظل هذا السياق، تبرز دعوة حماس لتسليم إدارة غزة لهيئة مستقلة تكنوقراط كخطوة أولى جادة في مسار إصلاحي، تأمل القوى الفلسطينية أن تتحول إلى لقاء وطني عاجل يشمل كل الفصائل ويضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق كل اعتبار.