اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢١ أيار ٢٠٢٥
في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، يتكشف فصل مأساوي آخر من فصول المعاناة الإنسانية، حيث تزايدت أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة بشكل مقلق، ليصل عددهم إلى ما بين 160 و170 ألف شخص، بعد أن كان قرابة 130 ألفًا قبل اندلاع الحرب، بحسب جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية.
ويقول مدير برنامج التأهيل المجتمعي في الجمعية، مصطفى عابد: 'إن هذه الزيادة الكبيرة نتجت عن الإصابات الجسيمة التي خلّفها القصف الإسرائيلي على المدنيين خلال حرب الإبادة التي يشنّها منذ السابع من أكتوبر، فضلًا عن تدهور الظروف الصحية والنفسية'.
ويضيف لـ 'فلسطين أون لاين': 'عشرات الآلاف من ذوي الإعاقة عانوا خلال العدوان من غياب أدنى مقومات الحياة، في ظل تهميش شبه تام لاحتياجاتهم، سواء من قبل المؤسسات الرسمية أو الأهلية'.
معاناة كبيرة
ويوضح عابد أن الأشخاص ذوي الإعاقة واجهوا أشكالًا متعددة من الإقصاء والإهمال، بدءًا من انعدام الرعاية الصحية، وغياب أدوات المساعدة مثل الكراسي المتحركة والسماعات، وصولًا إلى الإقصاء الاجتماعي الذي تجلّى في سلوكيات التنمر وفقدان الدعم المجتمعي.
ويردف: 'كما أن البيئة في مراكز الإيواء المؤقتة، مثل الخيام، لم تكن مناسبة إطلاقًا للأشخاص ذوي الإعاقة الحركية، الذين افتقدوا لأبسط مقومات التنقل. كذلك واجه الأشخاص ذوو الإعاقة السمعية صعوبات شديدة في التواصل بسبب فقدان السماعات وغياب الترجمة بلغة الإشارة، ما جعلهم معزولين تمامًا عن العالم خلال لحظات الخطر'.
أما المكفوفون، فيشير عابد إلى أنهم عاشوا عزلة قسرية بسبب غياب المرافقين ووسائل التوجيه، ما شكّل تهديدًا مباشرًا على حياتهم خلال النزوح المتكرر والقصف المستمر.
ينتقد عابد ما وصفه بـ'القصور المؤسسي الشامل' في التعامل مع هذه الفئة خلال الكارثة، مؤكدًا أن غياب خطة طوارئ واضحة لذوي الإعاقة ساهم في تعميق أوجه التهميش، قائلًا: 'إن الحرب لم تدمّر فقط البنى التحتية، بل كسرت أيضًا كل القيم الإنسانية والقانونية التي نصّ عليها القانون الدولي لحماية ذوي الإعاقة'.
ويذكر أنه منذ عام ونصف، يعيش ذوو الإعاقة في غزة 'ثلاثية الإعاقة': الجسدية، والنفسية، والمجتمعية، وسط غياب شبه تام للدعم والخدمات، وهذا الانهيار في منظومة الحماية جعلهم عاجزين عن تلبية احتياجاتهم الأساسية والعيش بكرامة.
حقوق مسلوبة
يشير عابد إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة حُرموا من كافة حقوقهم تقريبًا: الغذاء، الماء، المأوى، التعليم، الصحة، الزواج، العمل، الترفيه، والمشاركة السياسية. ويصف هذا الحرمان بأنه 'بنسبة ألف في المئة'، في ظل منع إدخال أدوات المساعدة أو تقديم أي دعم طبي أو نفسي يضمن استمرارهم في الحياة.
ويتابع: 'كافة الخدمات الخاصة بذوي الإعاقة تعطّلت بشكل كامل، بما في ذلك التشخيص الطبي، والعلاج الطبيعي، والدعم النفسي، وتأهيل المستشفيات، ولا توجد اليوم أي جهة تلبي احتياجاتهم أو تعوّضهم عن هذا الانهيار'.
ودعا عابد إلى تحرك فوري لتوفير أدوات المساعدة بمختلف أنواعها، وتأمين الأدوية والعلاج والتأمين الصحي، مع ضرورة تجهيز مراكز إيواء تراعي خصوصية كل نوع من أنواع الإعاقات، مشددًا على أهمية دمج العلاج الطبيعي والدعم النفسي في الخطط الإغاثية.
كما شدد على أهمية نشر لغة الإشارة وتوفير مترجمين متخصصين، خصوصًا في ظل الانقطاع المتواصل للكهرباء، الذي يعطّل وسائل التواصل البصري الضرورية للأشخاص ذوي الإعاقة السمعية. وطالب بتمثيل الأشخاص ذوي الإعاقة في لجان صنع القرار المستقبلية في غزة، وإشراكهم في صياغة أولويات إعادة الإعمار، إلى جانب ضرورة إشراك الجهات المانحة في تحديد احتياجاتهم.
وأكد عابد على ضرورة أن يأخذ الإعلام دوره في تسليط الضوء على معاناة الأشخاص ذوي الإعاقة، بلغة إنسانية مدعومة بالبيانات الدقيقة، لفضح حجم الأثر الذي خلّفته حرب الإبادة الإسرائيلية على هذه الفئة المهمشة.
وختم بالقول: 'ذوو الإعاقة لم يكونوا مجرد ضحايا، بل كانوا من الفئات الأكثر هشاشة وتهميشًا. واجبنا اليوم أن نعيد لهم حقوقهم وكرامتهم، وألّا نتركهم خلف الركام مرة أخرى'.
وكانت منظمة 'هيومن رايتس ووتش' قد أشارت في تقرير صادر عام 2021 إلى أن الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة يواجهون قيودًا مزمنة في التنقل والحصول على الخدمات الأساسية، وهي معاناة تضاعفت بشدة في أوقات العدوان، الأمر الذي يجعل من دعمهم أولوية إنسانية عاجلة.