اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
الخليل-تقرير معا- في قلب مدينة الخليل، وتحديدا قرب الحرم الإبراهيمي الشريف، يقبع شارع السهلة محاصرا من جميع الجهات، في مشهد يعكس أحد أكثر أوجه الحياة تحت الاحتلال الإسرائيلي قسوة وتعقيدا. فالشارع الذي يُفترض أن يكون ممرا حيويا إلى واحد من أهم المعالم الدينية والتاريخية في المدينة، تحوّل إلى منطقة مغلقة بالكامل، تفرض عليها قوات الاحتلال نظام حظر تجول فعلي، لا يشبهه أي مكان آخر في الخليل.
يعيش سكان السهلة حالة من العزلة التامة، حيث يمنع عليهم التنقل بحرية، وتخضع حياتهم اليومية لمزاج الجندي والحاجز العسكري.
طرق محاصَرة ومسارات مغلقة
الوصول إلى الشارع أشبه بعبور متاهة أمنية معقدة. فهناك ثلاثة مداخل رئيسية، جميعها مغلقة بدواعي أمنية وخاضعة لإجراءات مشددة:
الطريق الأول يمر عبر شارع الشهداء وسوق الخضار القديم، وهما منطقتان يسيطر عليهما المستوطنون وجيش الاحتلال منذ تسعينات القرن الماضي. تنتشر فيهما نقاط التفتيش والدوريات الراجلة باستمرار، ويُمنع الفلسطينيون من المرور بحرية، بينما يُسمح للمستوطنين بالتنقل دون عوائق.
الطريق الثاني عبر شارع طارق بن زياد، بعد اغلاق حاجز أبو الريش - دون سبب يُذكر سوى للتضييق على القاطنين في الشارع ودفعهم للرحيل القسري - من قبل قوات الاحتلال قبل عدة أشهر، ويقطع بذلك شريانا أساسيا للحركة من الجهة الجنوبية.
الطريق الثالث من المدخل الشرقي للحرم الإبراهيمي، مغلق بحاجز يسمى حاجز 160، وبوابات حديدية، وأجهزة تفتيش إلكترونية حديثة تَقِل مثيلاتها وجوداً في نقاط العبور بين الدول، إضافة إلى انتشار عشرات الجنود المدججين بالسلاح الذين يدققون في الهويات ويفتشون المارة بدقة كلما يسيرون بضعة أمتار مضافاً إلى ذلك كله عربدة واعتداءات المستوطنين المستمرة على كل من يتحرك من سكان الشارع، ما يجعل المرور عبره شبه مستحيل وغير آمن.
إجراءات يومية خانقة
تنعكس هذه الإغلاقات على تفاصيل الحياة اليومية للسكان بشكل مباشر وتشمل كافة الفئات العمرية دونما استثناء. فكل من يرغب في إدخال مواد غذائية أو أغراض منزلية، يخضع لتفتيش دقيق على الحواجز، وغالبا ما تُمنع أغلب المواد من الدخول دون مبررات واضحة وبدواعي أمنية غير مُبرره.
أما غاز الطهي، فقد مُنع إدخاله إلى منازل السكان منذ أكثر من عامين كاملين، ما اضطر العائلات إلى البحث عن بدائل مكلفة أو الاعتماد على وسائل بدائية للطبخ والتدفئة.
حتى سيارات الإسعاف لا تصل إلى الشارع بسهولة؛ ففي الحالات الطارئة، يضطر السكان إلى الاتصال بالشؤون المدنية الفلسطينية، التي تنقل بدورها الطلب إلى الارتباط الإسرائيلي، وفي كثير من الأحيان تمر الدقائق وربما الساعات، قبل أن يُسمح للمركبة بالدخول، ما يعرض حياة المرضى للخطر ، مضافاً إلى ذلك كله مضايقات واعتداءات وبأشكال مختلفة تتعرض لها النساء والأطفال أثناء ممارستهم لأي نشاط اجتماعي أو حتى اللعب أو الذهاب إلى المدراس التي تعاني إغلاقات متكررة لأسباب أمنية واهيه.
حياة على الحاجز
يقول طارق البيطار، أحد سكان شارع السهلة: ' في كل يوم أخرج من منزلي لا أعرف متى سأعود، وإن عدت لا أعلم متى يمكنني الخروج مجددا.'
تصريحه يلخص واقعا مريرا، فكل حركة خارج المنزل خاضعة لمزاج الجنود، وكل تفصيل يومي، من شراء الخبز إلى زيارة الطبيب، أو حتى المرور الاعتيادي لمقطع صغير من الشارع يتحول إلى اختبار للصبر والإرادة.
ومع استيلاء المستوطنين على منزلين داخل الشارع، دفعت قوات الاحتلال بتعزيزات عسكرية إضافية، وشددت الإجراءات الأمنية بشكل أكبر، في الوقت الذي كثّف فيه الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير من تدخله في الملف الأمني للمنطقة منذ توليه حقيبة الأمن القومي، مضيفا مزيدا من التعقيد على المشهد اليومي للسكان، في محاولة واضحة للضغط عليهم لدفعهم إلى الرحيل القسري.
في شارع السهلة، لا تدور الحياة بوتيرتها الطبيعية، بل وفق إيقاع الحواجز وبنادق الجنود. كل باب يفتح هناك يحمل خلفه قصة صبر، وكل خطوة في الطريق تحمل معها احتمال المنع أو التفتيش أو الانتظار الطويل.
وبينما يبقى الشارع محاصرا بالبوابات والجنود، تبقى معاناة سكانه شاهدا حيا على سياسات العزل والضغط التي تُمارس عليهم يوميا، في واحدة من أكثر المناطق حساسية في مدينة الخليل.