اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
في خضم حرب إبادة ممنهجة في غزة تجاوزت الخطوط الحمراء، لم تعد المواقف الأميركية تجاه القطاع مجرد دعم سياسي لكيان الاحتلال الإسرائيلي، بل تحولت إلى شراكة قوية، لا يقتصر الدعم فيها على تزويد الاحتلال بالسلاح والغطاء الدبلوماسي، بل يتجاوز ذلك إلى توفير غطاء كامل يسمح لإسرائيل بمواصلة عمليتها العسكرية العدوانية دون رادع.
خلال حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ أكثر من 23 شهرا، والتي أسفرت عن استشهاد أكثر من 65 ألف فلسطيني وإصابة نحو 165 ألفا، ظهر الخطاب الأميركي مزدوجا بوضوح. فبينما تعلن الولايات المتحدة رسميا عن احترامها للقانون الدولي وحقوق الإنسان، فإنها في الواقع تقدم دعما كاملا وغير مشروط للاحتلال، مما يتيح استمرار العمليات العسكرية الوحشية دون أي قيود.
هذا التناقض في الخطاب يكشف أن الأولوية الأميركية ليست للإنسانية أو العدالة، بل لحماية مصالحها الاستراتيجية وحلفائها الإقليميين، على حساب معاناة الفلسطينيين، وفق حديث د. حنان عبد الرحيم أستاذ تاريخ آسيا.
توضح عبد الرحيم لصحيفة 'فلسطين'، أن الخطاب الأميركي إزاء غزة محكوم بازدواجية واضحة وممنهجة. فبينما تعلن واشنطن رسميا التزامها بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، فإن الواقع على الأرض يكشف أن هذه المواقف هي شعارات جوفاء لا تعبر عن السياسة الفعلية التي تمارسها الولايات المتحدة.
وتقول الخبيرة العراقية، إن الحكومة الأمريكية تعامل غزة باعتبارها 'بؤرة عدم استقرار'، وليس كمجتمع يعاني أزمة إنسانية حادة تستدعي التدخل العاجل. فالتركيز الرئيس لمراكز صنع القرار لا ينصب على معاناة المدنيين، بل على حماية المصالح الاستراتيجية لأميركا وحلفائها في المنطقة، وعلى رأسهم (إسرائيل).
وفي هذا السياق، تبرز مواقف متكررة لإدارات أميركية متعددة تدعو إلى 'حلول سياسية'، لكنها تعجز عن فرض أي ضغوط حقيقية على إسرائيل لإنهاء الحصار أو وقف العمليات العدوانية. ورغم وجود أصوات داخل بعض المؤسسات الأميركية تعبر عن قلق من الأزمة الإنسانية، فإن هذه الأصوات تبقى هامشية وغير قادرة على تحدي التيار الرئيسي للدعم غير المشروط.
وتشير عبد الرحيم، إلى أن هذه الازدواجية لا تقتصر على الخطاب السياسي فقط، بل تمتد إلى تقارير الأجهزة الأمنية والاستخبارية التي توثق حجم المعاناة، لكنها تعيد تقييم الموقف من زاوية أمنية بحتة، معتبرة أن الضغوط الإنسانية لن تؤثر على السياسة الأميركية في المنطقة.
الدور الحاسم لمن؟
ويرى الخبير في الشؤون الأمريكية د. نعيم الريان أن السياسة الأميركية الرسمية تجاه إسرائيل ليست عرضة للتغيير السهل، بسبب التناغم الكبير بين المؤسسات الأميركية ومراكز النفوذ مع اللوبي الإسرائيلي القوي.
ويؤكد الريان لـ'فلسطين'، أن اللوبي الإسرائيلي يتمتع بامتداد واسع داخل المجتمع الأميركي، حيث يبدأ من مراحل التعليم والطفولة، مرورا بالجامعات وأماكن العمل، وصولا إلى مراكز اتخاذ القرار.. هذا النظام المؤسسي لا يعمل فقط على دعم إسرائيل دبلوماسيا، بل يمتلك أدوات مؤثرة في الإعلام، والاقتصاد، والتمويل السياسي، الأمر الذي يضمن تغطية مستمرة ودعما شبه مطلق لإسرائيل.
ويضيف أن معظم المسؤولين السياسيين في الولايات المتحدة، لا سيما أولئك الذين يصلون إلى المناصب العليا، يحتاجون إلى دعم هذا اللوبي خلال الحملات الانتخابية، مما يرسخ الحاجة إلى المحافظة على سياسات مؤيدة لإسرائيل. ولذلك، فإن الأصوات المعارضة في الكونغرس أو في أروقة الإدارة الأميركية تبقى ضعيفة وغير مؤثرة، ولا يمكنها أن تغير مسار السياسة العامة.
ويوضح الريان أيضا أن التركيبة السياسية في العالم العربي والإسلامي التي تدعمها الولايات المتحدة تعد عاملا إضافيا في استمرارية هذا الدعم، حيث تعمل واشنطن على المحافظة على أنظمة موالية لها أو على الأقل قابلة للتحكم، ما يتيح لها الاستمرار في دعم إسرائيل دون حسابات معقدة.
دعم مفتوح وتهديدات مباشرة
في هذا الإطار، تعكس تصريحات الرئيس دونالد ترامب بشكل صارخ هذا التوجه الأميركي، فقد أعلن دعمه الكامل وغير المشروط لإسرائيل. إضافة لإعلانه إمكانية إشراف أميركي على إعادة إعمار غزة في المستقبل، ما يشير إلى مشروع أوسع يهدف إلى السيطرة على القطاع، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد.
ووفق عبد الرحيم والريان، فإن السياسة الأميركية تجاه غزة ليست إلا تعبيرا عن تحالف مصالح متشابك، يتجاوز الخطابات الرسمية إلى دعم مطلق للكيان الإسرائيلي، مع إهمال واضح للأبعاد الإنسانية والقانونية.
ويؤكد الريان، أن ازدواجية الخطاب الأميركي ليست نتاجا لصراعات داخلية أو انقسامات حقيقية، بل هي غطاء يستخدم للحفاظ على استمرارية التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل. وفي ظل هذا الواقع، تظل معاناة المدنيين في غزة محل تجاهل رسمي، رغم كل الدعوات الإنسانية الدولية.
ويشير إلى أنه مع تصاعد الضغط الشعبي داخل الولايات المتحدة ودوليا، قد تتغير بعض المواقف تدريجيا، لكن الطريق ما زال طويلا ومليئا بالتحديات، خاصة مع قوة وتأثير اللوبي الإسرائيلي، واستمرار سيطرة مصالح الأمن والاستراتيجية على صانع القرار الأميركي.