اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٢١ حزيران ٢٠٢٥
غزة- معا- في ظل تعقيدات الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة منذ أكتوبر بات العمل الإنساني في الأراضي الفلسطينية أكثر تعقيدًا من أي وقت مضى. وبين انسداد المعابر، والقيود الأمنية، وتدهور الوضع الإنساني، تبلورت خلال الأشهر الماضية شبكة إغاثية متعددة الأطراف، تشارك فيها دول من الشرق الأوسط وأوروبا، بهدف ضمان استمرار تدفق الدعم الإنساني للمدنيين المحاصرين في القطاع.
وسط هذه الجهود المتعددة، برزت الإمارات العربية المتحدة كأحد أكثر الأطراف انتظامًا وتأثيرًا في الميدان، من خلال نموذج لوجستي مُتكامل، انطلق من مدينة العريش المصرية، وامتدّ عبر ثلاث مسارات: جوية، بحرية، وبرية. وقد أظهرت هذه المنظومة كفاءة عالية في تجاوز العقبات السياسية واللوجستية، مع حفاظ واضح على الطابع الإنساني للعملية بعيدًا عن الضوضاء الإعلامية.
مركز العريش: قلب العملية الإنسانية
على الأرض، يعمل المركز اللوجستي الإماراتي في العريش على مدار الساعة، بالتنسيق مع الهلال الأحمر المصري، وسلطات المعابر المصرية، ووكالات دولية بينها برنامج الأغذية العالمي (WFP) ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) المركز لا يكتفي بتخزين المساعدات، بل يعيد فرزها وتعبئتها وتوجيهها بحسب الحاجة الميدانية داخل غزة.
وقالت وزارة الدفاع الإماراتية، في بيان صدر مطلع يونيو الماضي ، إن العملية شملت حتى الآن أكثر من 610 رحلات جوية، و14 سفينة شحن بحرية، وما يزيد عن 4000 شاحنة برية، ما مكّن من إيصال أكثر من 100 ألف طن من المساعدات إلى القطاع منذ بدء الحرب.
تنسيق إقليمي متعدد الأطراف
وتأتي هذه الجهود بالتوازي مع أدوار محورية لكل من مصر والأردن، اللتين وفرتا أراضيهما وممراتهما الجوية والبرية كمحطات مركزية لتجميع ونقل المساعدات الدولية.
كما لعب الاتحاد الأوروبي دورًا لوجستيًا وتمويليًا كبيرًا، من خلال بعثاته في مصر ومراكزه الطبية القريبة من العريش، وشاركت دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وألمانيا في تقديم الدعم التقني وتأمين بعض الإمدادات الطبية.
ووفقًا لتقرير صادر عن منظمة ميدغلوبال (MedGlobal) فإن “التنسيق بين الإمارات ومصر والأردن كان أحد أبرز نقاط القوة في الاستجابة الإغاثية لغزة، نظرًا لمرونة المسارات وتعدد مصادر الإمداد”.
استجابة ميدانية… بأقل قدر من الضجيج
على عكس نماذج التدخل التي تعتمد على المبالغة الإعلامية أو الترويج السياسي، اختارت الإمارات العمل بصمت؛ وبحسب تقرير لوكالة رويترز في 10 يونيو، فإن “أبوظبي رفضت الانضمام إلى آلية إسرائيلية جديدة لتنسيق المساعدات عبر كرم شالوم، لأنها اعتبرتها تفتقر إلى الحياد الإنساني”.
ومع ذلك، كشف موقع Axios أن الإمارات أجرت قنوات اتصال ميدانية محدودة مع الجانب الإسرائيلي لضمان انسياب المساعدات، حيث نقل عن مسؤولين أن “وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد تواصل بشكل مباشر مع مسؤولين إسرائيليين لتسهيل مرور بعض القوافل لمنع كارثة إنسانية في غزة ”.
مزيج من الدقة والمرونة
أحدث هذه القوافل، بحسب وكالة أنباء الإمارات الرسمية (وام)، دخلت عبر معبر رفح في 5 يونيو بعد توقف مؤقت للمعبر، محملة بـ1039 طنًا من المواد الغذائية والطبية هذه القافلة وحدها خدمت ما يزيد عن 1.3 مليون شخص داخل القطاع، وأسهمت في إعادة تشغيل 31 مخبزًا أوتوماتيكيًا، بحسب بيانات دولية
وفي الوقت نفسه، استخدمت الإمارات سفن شحن ضخمة لتفادي الضغط على المعابر البرية؛ واحدة من هذه السفن، وصلت إلى أحد موانئ شرق المتوسط في مطلع يونيو، محملة بـ2100 طن من الإمدادات، بما في ذلك وقود ومضادات حيوية ومياه معبأة، وهي مواد يصعب نقلها جوًا.
دعم طبي حيوي
لم تقتصر المساعدات الإماراتية على الغذاء والمياه، بل شملت أيضًا تجهيزات طبية نوعية. فقد استخدمت طائرات C-17 وC-130 لنقل معدات حرجة مثل أجهزة التنفس الاصطناعي، ومحاليل، ومستلزمات تخدير. وتشير مصادر لوجستية في العريش إلى أن هذه المواد غالبًا ما كانت تُسلم مباشرة إلى المستشفيات الميدانية في غزة أو عبر الهلال الأحمر الفلسطيني.
وقد أشادت اللجنة الدولية للصليب الأحمر في تقرير بما وصفته بـ”التدخل الميداني الأكثر اتساقًا وفعالية من حيث الهيكلة والنتائج”، في إشارة إلى الأداء الإماراتي.
نموذج إقليمي يمكن البناء عليه
في وقت تتعرض فيه الجهود الإغاثية في غزة لتحديات متزايدة بفعل القيود الإسرائيلية وتدهور الوضع الميداني، يُشكل النموذج الذي طورته الإمارات – بدعم مصري وأردني وأوروبي – إحدى أنجح المحاولات لإنشاء منظومة إنسانية قادرة على الصمود والاستجابة المستمرة.
إن نجاح هذا النموذج لا يكمن فقط في حجم المساعدات، بل في القدرة على الحفاظ على استمرارية الدعم وسط بيئة معقدة أمنيًا وسياسيًا، مع احترام واضح للمعايير الدولية والتنسيق مع الأطراف الفاعلة دون استغلال سياسي.
وكما قال مدير مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في القاهرة، في مقابلة مع صحيفة Le Monde الفرنسية: 'إذا كان ثمة طرف فهم مبكرًا أن النجاح في غزة لا يأتي من ضخامة الشحنات، بل من هندسة الطريق إليها، فهي الإمارات”.