اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٨ تموز ٢٠٢٥
لم يمر إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي فتح ما سماها 'ممرات إنسانية' ووقفًا مؤقتًا لإطلاق النار في مناطق محددة من قطاع غزة دون إثارة موجة واسعة من الغضب والتشكيك بين الناشطين والفاعلين الإنسانيين.
فقد عبر العديد منهم عن خشيتهم من أن تتحول هذه الخطوة إلى أداة دعائية هدفها تحسين صورة الاحتلال وتنفيس الضغط الدولي، لا سيما مع تصاعد الاتهامات باستخدام التجويع كأداة حرب، وتوثيق تقارير أممية لمجاعة حقيقية تضرب القطاع.
ويرى النشطاء أن هذه الإجراءات، إذا لم تقترن برفع كامل للحصار الإسرائيلي عن القطاع ووقف القصف وتدفق كافٍ للمساعدات، فإنها ليست أكثر من واجهة إنسانية زائفة تُستخدم لتمويه جريمة الإبادة المستمرة.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس، عن السماح بدخول مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة عبر عمليات إسقاط جوي وممرات إنسانية مؤقتة، بعد شهور من الحصار العسكري الكامل وتوقف شبه تام لدخول الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع الفلسطيني المنكوب.
خدعة رخيصة
ورغم إعلان جيش الاحتلال، إلا أن الأرقام تفضح المشهد؛ إذ تحتاج غزة إلى ما لا يقل عن 500 شاحنة يوميًا ولمدة شهرين متواصلين حتى تبدأ آثار المجاعة بالتراجع، وفق ما يؤكده الدكتور جمال الملا، الذي يصف إدخال أعداد رمزية من الشاحنات (10 أو 20 فقط) بأنه 'خدعة رخيصة هدفها امتصاص الغضب العالمي وتخفيف الضغط الإعلامي'. ويضيف: 'إنه تسويق إنساني لجرائم إبادة جماعية مستمرة'.
في موازاة تلك القوافل المحدودة، تروج (إسرائيل) لما تسميه 'عمليات إسقاط جوي للمساعدات'، وهي التي وصفها المفوض العام لوكالة 'أونروا' فيليب لازاريني بأنها مكلفة وغير فعالة، وقد تُودي بحياة مدنيين يتضوّرون جوعًا، ومجرد ستار دخاني لتشتيت الأنظار عن الواقع الكارثي.
وأضاف لازاريني في منشور على حسابه في منصة 'إكس'، أن 'الجوع المصنوع بأيدي البشر لا يُعالج إلا بإرادة سياسية'. وناشد بالسماح للأمم المتحدة بما في ذلك 'الأونروا' بأن يعملوا على نطاق واسع ومن دون عوائق بيروقراطية أو سياسية.
الخبيرة في الشأن الإسرائيلي منى العمري هاجمت المفارقة التي أراد جيش الاحتلال فرضها في الرواية الإعلامية قائلة: 'أعلن جيش الاحتلال عن 7 شحنات إسقاط جوي في عملية استعراضية خطيرة، حيث ستُلقى المساعدات على رؤوس الناس وهم نيام في خيامهم، بالتزامن مع استمرار القصف. ثم يتم تسويق هذا الفعل أمام العالم على أنه بطولة إنسانية لمواجهة ‘أكاذيب حماس’ التي تدعي وجود مجاعة في غزة!'.
وتساءلت العمري بمرارة: 'إذا كانت (إسرائيل) سمحت بمرور قوافل برية عبر الجنوب، فما الحاجة إلى إسقاط 7 مشاتيح (منصات) مساعدات؟ أم أن الهدف هو ترويج صورة المنقذ في الوقت الذي لا تزال الطائرات تقصف والمساعدات تُحاصر؟'.
وفي تغريدة على صفحتها، وصفت الناشطة سارة ما يجري بأنه 'أسلوب بهيمي غير إنساني وغير أخلاقي'، معتبرة أن رمي المساعدات من الجو يدفع الجائعين واللصوص إلى التقاتل عليها، ويتركها في يد الأقوى، لا الأضعف. وتضيف: 'لا يتفاجأ أحد مستقبلًا من أي تصرفات تصدر عن أناس تم سحق كرامتهم وتجريدهم من إنسانيتهم. هؤلاء لا يتلقون غذاءً... بل يتلقون إذلالًا'.
الكاتب محمد شكري يحذر من سقوط البعض في فخ الدعاية العسكرية قائلاً: 'تخيل أن يُطلب منك أن تشكر عمليات إنزال مساعدات لسلاح الجو التابع لدول عربية، وهي تتم بالتنسيق مع سلاح الجو الإسرائيلي الذي يقتلنا منذ عامين. هذه العمليات لا تشرعن القصف فحسب، بل تبرر الحصار، وتُجمّل وجه المحتل'. ويضيف: 'هذا الاستعراض يهدف إلى تشويه وعي الناس، وإعادة صياغة الجريمة في قالب إنساني زائف'.
ورغم الجهود لفضح ما يجري، يرى الناشط الإعلامي خالد صافي أن محاولات الاحتلال لخلق 'وهم الاستجابة الإنسانية' لا تصمد أمام الواقع: 'بعض الشاحنات لا تكسر المجاعة ولا توقف الإبادة. الحل يبدأ من فتح معبر رفح، ووقف المجازر، وضمان دخول 600 شاحنة يوميًا لأربعة شهور على الأقل. أي حل خارج هذا الإطار مجرد خداع'.
ويتفق معه الكاتب صالح أبو عزة، الذي قال إن المجاعة لم تكشفها بيانات (إسرائيل) أو صور الأقمار الصناعية، بل وثّقتها 'بطون غزة الخاوية'، وما سجلته كاميرات المجوّعين، حتى بات التجويع الإسرائيلي أحد مُسلّمات الرأي العام العالمي. ويضيف: 'لا يُعول على حديث (إسرائيل) عن الممرات الإنسانية وإدخال المساعدات، قبل أن يلمس أهالي غزة كسر حملة التجويع واقعًا، لا وهمًا إعلاميًا'.
وتحذر منظمات أممية ومؤسسات محلية من أن استمرار الحصار ومنع المساعدات من جانب (إسرائيل) ينذران بوقوع وفيات جماعية بين الأطفال، وسط تدهور الأوضاع الصحية والمعيشية، وانهيار المنظومة الطبية بالكامل.
ومنذ 2 مارس/آذار الماضي، تنصلت (إسرائيل) من مواصلة تنفيذ اتفاق مع حركة حماس لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، وأغلقت معابر غزة أمام شاحنات مساعدات مكدسة على الحدود، ما أدى إلى أزمة غذائية تفاقمت في الأيام الأخيرة إلى مجاعة قاتلة.
ومنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تشن (إسرائيل) حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري. وخلفت الإبادة أكثر من 204 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين.