اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٤ أيلول ٢٠٢٥
كلما طال أمد الحرب، لم يعد الزمن مجرد مقياس للألم، بل صار ميداناً لتجارب الصبر والتحمل.
ففي كل يوم إضافي يتعلّم الناس كيف يحوّلون الخوف إلى حافز للبقاء، واليأس إلى فرصة لاستدعاء قوة داخلية غير مألوفة.
الزمن هنا لا يقتل الأمل، بل يدفعه إلى التشبّث بالحياة.
قلوب تنبض رغم الانكسار
الإحساس بعدم الأمان لا يلغيه الخوف وحده، بل تتحداه ممارسات صغيرة يومية..
فالأم التي تُشعل ضوءًا لطفلها في ليلٍ مظلم تمنحه شعوراً بالدفء، والجار الذي يشارك لقيمات طعامه مع أسرة أخرى يصنع دائرة أمان من أبسط الموارد.
وسط الخراب تتكوّن جسور من التضامن تحمي القلوب من الانهيار.
شجرة عند بيت مقصوف
في طريقي إلى العمل كل صباح، مع أبي الذي يصرّ ألا يدع بلسم روحه تذهب وحدها، كنا نرى شجرة جرداء بجوار منزل مقصوف.
كانت عارية من كل حياة، كأنها صورة لليأس ذاته.
لكن قبل أيام، صحتُ بأبي: 'انظر! الشجرة قد أزهرت وامتلأت أوراقاً'.
لحظتها، كان المشهد أبلغ من ألف كلمة؛ فحتى الشجر الذي ظنناه انتهى عاد ليعلن أن الحياة أقوى من الدمار.
قلت له: 'والله يا أبي، ستعود أيامنا الحلوة، وسنعيد بناء حياتنا أجمل مما كانت'.
كان ذلك الموقف صلاة من نوع آخر، صرخة أمل وسط الركام.
ذاكرة الجراح… وذاكرة الفرح أيضاً
صحيح أن صور الغارات والدمار تترسخ في الذاكرة، لكن إلى جانبها تُزرع صور أخرى: ضحكات الأطفال وهم يلهون بين الأنقاض، أغانٍ تتردّد في الملاجئ، وشباب يبتكرون ألعاباً أو مبادرات صغيرة لتذكير الناس أن للحياة صوتاً أقوى من صوت الصواريخ.
هذه الذكريات تصبح حصناً نفسياً يحمي من الانغماس الكامل في الحزن.
أفق مسدود… لكن نافذة مفتوحة
رغم أن الحرب تُغلق الأفق، فإن الفلسطيني يفتح لنفسه نافذة من الأمل.
هناك من يتعلم مهارة جديدة عبر هاتفه وسط الركام، ومن يزرع نباتاً في علبة فارغة ليقول: 'الحياة مستمرة'.
هذه الممارسات البسيطة تحوّل انسداد الأفق إلى مساحات صغيرة من الضوء، تكفي لتذكير الجميع بأن الغد ممكن.
إعمار النفس.. حجر الأساس
إعادة البناء لا تقتصر على البيوت، بل تبدأ من النفس.
حين يجتمع الناس في حلقات دعم متبادل، أو حين ينظم الشباب أنشطة ترفيهية للأطفال، فهم لا يرممون الأرواح فقط، بل يضعون أول حجر في إعادة إعمار الوطن.
فالشعوب التي تعطي الأولوية لسلامها الداخلي، هي الشعوب القادرة على استعادة قوتها مهما طال النزيف.