اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٢ حزيران ٢٠٢٥
في خضم استمرار العمليات العسكرية المكثفة التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة منذ 20 شهراً، برزت عملية 'الاشتباك الصفري' التي نفذتها كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، شرق مدينة خانيونس، لتكشف عن حجم التحديات الكبيرة التي تواجه جيش الاحتلال على الأرض، ليس فقط على مستوى المواجهات المسلحة، بل أيضاً في الجوانب المتعلقة بالمعلومات الاستخباراتية والتكتيك العسكري والحرب النفسية.
وأظهرت المشاهد الحصرية للعملية عبر قناة الجزيرة مساء أول من أمس، مقاتلين من كتائب القسام وهم يخرجون من أحد الأنفاق وينفذون كميناً محكماً ومعقداً ضد آليات تابعة لقوات الاحتلال في منطقة الزنة، وهي منطقة يُفترض أنها تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. وكشفت العملية عن فجوة كبيرة في التقديرات العملياتية لجيش الاحتلال، وفقاً لما أكده محللون عسكريون.
تفوق تكتيكي
قال الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية، رامي أبو زبيدة، إن مشاهد 'الاشتباك الصفري' شرق خانيونس تمثل نموذجاً ميدانياً استثنائياً يبرز التطور الكبير في أداء المقاومة الفلسطينية، وخاصة كتائب القسام، على المستويين التكتيكي والنفسي.
وأوضح أبو زبيدة في تعليقه لصحيفة 'فلسطين' على الفيديو المصور للعملية أن ما جرى يمثل 'واحدة من أبرز العمليات النوعية التي شهدتها الساحة الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة'، مشيراً إلى أن المشاهد أظهرت بوضوح 'كميناً محكماً أدى إلى مقتل ضابط وجندي من قوات الاحتلال، بالإضافة إلى إصابة عدد آخر من الجنود الإسرائيليين'.
وأكد أن الاشتباك الذي وقع من 'مسافة صفر' مع مجموعة من جنود الاحتلال يُعد أحد أخطر وأجرأ أشكال القتال، ولا يتم تنفيذه إلا عندما يكون المقاتلون مسيطرين بشكل كامل على الأرض. وأضاف أن هذه المواجهة كشفت عن 'حالة من الارتباك في صفوف القوة الإسرائيلية المهاجمة، فضلاً عن غياب الغطاء الناري الذي من المفترض أن يحمي الجنود خلال تقدمهم'.
كما أشار أبو زبيدة إلى المشاهد التي أظهرت مطاردة مقاتلي القسام لعربة مدرعة إسرائيلية حاولت الفرار من موقع الاشتباك، مؤكداً أن هذا الانسحاب كان 'اضطرارياً وغير منظم'، مما يدل على 'فشل تكتيكي واضح'، خاصةً وأن الدبابة، رغم تفوقها التسليحي، لم تتمكن من التعامل مع بيئة الاشتباك القريب والكمائن الديناميكية التي نفذتها المقاومة.
وفي تحليله للجانب العملياتي، شدد أبو زبيدة على أن هذه العملية لم تكن عشوائية أو ارتجالية، بل سبقها 'جمع معلومات استخباراتية دقيقة ورصد متواصل لتحركات القوات المعادية'، لافتاً إلى أن اختيار نقطة الكمين يعكس 'فهماً عميقاً للطبيعة الجغرافية للمنطقة، مما سمح بتنفيذ الاشتباك ثم الانسحاب بأقل قدر من الخسائر'.
ووصف الخبير العسكري العملية بأنها 'ضربة معنوية قوية' لجيش الاحتلال، خاصةً بعد مقتل ضابط وجندي، وهو ما يزيد من الأعباء القيادية والمعنوية على القوات الإسرائيلية. كما لفت إلى أن بث المشاهد عبر قناة الجزيرة ساهم في 'تعزيز صورة المقاومة الفلسطينية كقوة محترفة تمتلك زمام المبادرة، وليس فقط كقوة تكتفي بالرد على الهجمات'.
وأشار إلى أن 'عملية خانيونس تُعيد الاعتبار لتكتيك الكمائن المتحركة، وتعكس التحول النوعي في أداء كتائب القسام، من الدفاع الثابت إلى الهجوم المباغت'، مؤكداً أن هذا النموذج يمثل 'تفوقاً معنوياً وتكتيكياً في معركة الإرادات بين المقاومة والاحتلال'.
فشل السيطرة الإسرائيلية
من جهته، قال الخبير العسكري والإستراتيجي، اللواء المتقاعد فايز الدويري، إن المقاومة الفلسطينية لا تزال قادرة على تنفيذ عملياتها في عمق المناطق التي تنتشر فيها قوات الاحتلال داخل قطاع غزة، مشيراً إلى أن 'كمين الزنة' يؤكد هذه الحقيقة الميدانية بوضوح.
وأوضح الدويري أن خروج عناصر المقاومة من أحد الأنفاق وتنفيذهم هجوماً مركباً استهدف آليات الاحتلال في منطقة الزنة، يكشف أن شبكة الأنفاق ما تزال قادرة على العمل بشكل فعال.
وأضاف في مقابلة متلفزة أن هذا النوع من الكمائن يعكس نجاح المقاومة في 'العمل داخل العمق' الإسرائيلي، وهو ما يعد إنجازاً استخباراتياً وميدانياً مهماً، حيث تمكنت المقاومة من جمع معلومات دقيقة عبر نقاط المراقبة المنتشرة في الميدان، ثم قامت بالتخطيط والتنفيذ ضمن ثلاث مراحل: التثبيت، الهجوم، ثم تفجير حقل الألغام بعد الانسحاب.
وأشار الدويري إلى أن الفيديو أوضح كيف خرج المقاتلون من الأنفاق، وقاموا بوضع العبوات الناسفة، بينما تمركزت وحدة الاستهداف بقواذف 'الياسين'، في حين تم توثيق تفجير ناقلة جنود إسرائيلية وإشعال النار في الآليات العسكرية، مما عزز مصداقية المشاهد التي تم بثها وأظهر الجاهزية العالية للعناصر المنفذة.
وأكد أن وجود المقاومة بهذه الكفاءة في مناطق يُفترض أنها 'آمنة' لقوات الاحتلال يطرح تساؤلات كبيرة حول أداء الجيش، كما يؤكد أن مقاتلي المقاومة، رغم ظروف الحرب القاسية، يواصلون مراقبة تحركات العدو والاستعداد للرد في الوقت المناسب.