اخبار فلسطين
موقع كل يوم -الميادين
نشر بتاريخ: ٢٣ أيار ٢٠٢٥
أدب الحركة الفلسطينية الأسيرة: من هنا بدأنا
كيف بدأ أدب الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة وما هي مراحله؟ ومن هم أهمّ رموزه؟
تردّدت أقوال كثيرة منذ حازت رواية الأسير الفلسطيني باسم خندقجي 'قناع بلون السماء' جائزة بوكر العربية، مثل أنّ الجائزة منحت صوتاً لأدب الأسرى الفلسطينيين، أو 'رفعته'، كما كُتِب عن 'خلط' الجائزة الإبداعي بالسياسي، وغير ذلك.
هذه الإشكاليّة وقف عندها باسم خندقجي نفسه من قبل، إذ فضّل دائماً أن يوصف بالروائي أو الشاعر عند صدور كتابٍ جديد له، من دون أن يقترن اسمه كمبدع بكونه أسيراً.
تجربة باسم خندقجي الروائية، إلى جانب تجارب قليلة لكتّاب آخرين عاشوا تجربة الأسر في سجون الاحتلال الإسرائيلي، تتميز بأنها حاولت تجاوز السمات المألوفة لأدب الأسرى، والقفز عن هذه السمات إلى حدّ تجبر مَن يتناولها على قراءتها قراءة تختلف عن أنها رواية لأسير.
'قناع بلون السماء' تفرض مثل هذه القراءة أيضاً، رغم ارتباط موضوعها بالسردية الفلسطينية وزيف سردية الاحتلال. لكنّ نهايتها تعود وتحيلنا إلى ظرف صاحبها:
'تمَّت
9 تشرين الثاني 2021
سجن جلبوع الكولونياليّ'.
كتابٌ ضاع سنة النكبة
يُذكر في المراجع التي تقف على مراحل تشكيل أدب السجون في فلسطين أنّ للأديب والقاص والمترجم الراحل، خليل بيدس (1875 - 1949)، كتاب بعنوان 'أدب السجون'، صدر في بدايات القرن العشرين، وضاع سنة النكبة 1948.
بيدس، أحد رواد الترجمة من الروسية إلى العربية، إذ نقل أعمال تولستوي وبوشكين إلى العربية، أَوْلى الهجرة الصهيونية اهتمامه مبكراً ونبّه إلى خطرها، وكان قد حُكِم عليه بالإعدام عند اندلاع الثورة العربية في حزيران/يونيو عام 1916، فحمته البطريركية الأرثوذكسية في القدس.
وما لبث أن شارك في تظاهرة سنة 1920 في القدس، فاعتقلته سلطات الانتداب البريطاني وأودعته سجن عكا بعد أن حكمت عليه بالسجن 15 عاماً. هناك ألّف كتابه الذي يصف فيه سجن المستعمِر والأساليب الوحشية التي يعامل بها السجناء، ثم أُصدِر قرار بالعفو عنه وعن المساجين السياسيين.
وخليل بيدس صاحب أول رواية فلسطينية بعنوان 'الوارث' 1920. وكتاب بيدس الآخر 'أدب السجون' يشير إلى أنّ التجربة الروائية الفلسطينية، منذ روّادها الاوائل، ما لبثت أن ارتبطت بتجربة الأسر.
مراحل التشكيل
يقول الكاتب والأكاديمي الفلسطيني، رأفت حمدونة، إنّ التسميات حول الإنتاج الأدبي في 'باستيلات العدو' مختلفة. إذ يذهب البعض إلى تسمية هذا الأدب بأدب الحرية، أو 'الأدب الاعتقالي'، فيما أطلق عليه آخرون 'الأدب الأسير' أو 'أدب السجون'، لكن ثمة إجماع على أنه يندرج تحت عنوان 'الأدب الفلسطيني المقاوم'.
وبرز 'أدب السجون'، وفق حمدونة، كظاهرة أدبية في الأدب الفلسطيني الحديث قبل هزيمة حزيران/يونيو عام 1967، لكنّ العوامل التي ساعدت على الكتابة الأدبية لدى الأسرى بدأت في سبعينيات القرن الماضي.
وفي مقالة للأديب الفلسطيني الراحل، رشاد أبو شاور، عن نشأة أدب الأسرى الفلسطيني، فإنّ أول كتاب صدر عن تجربة الأسر كان 'ستة أشهر في سجون الاحتلال' لأسيرين طالبين جامعيين من الجبهة الشعبية هما: تيسير قبعة وأسعد عبد الرحمن.
وتقسّم المراجع مثل 'أدب السجون في فلسطين' لإيمان مصاروة، و'الجوانب الإبداعية في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة' لرأفت حمدونة وغيرها، التجربةَ الإبداعية للأسرى الفلسطينيين إلى مراحل عدة:
أولها مرحلة سبعينيات القرن العشرين التي نجح فيها الأسرى بعد الإضراب الكبير عام 1970 بفرض مطالبهم على إدارة سجون الاحتلال، وصدر فيها ديوان شعري مشترك بعنوان 'كلمات سجينة' بخط اليد في معتقل بئر السبع عام 1975. في هذه المرحلة تنامت قوة الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، وتطورت أساليب الإسناد الجماهيري لها، ما أدى إلى لجم شراسة القمع الجسدي والفكري وخفف من حدة القهر الممارس ضد الأسرى، ودخلت الكتب الأدبية.
أما المرحلة الثانية فكانت في فترة ثمانينيات القرن الماضي، وقد اطلع الأسرى فيها، بسبب العوامل المذكورة سابقاً، على نماذج إبداعية محلية وعربية وعالمية، وتمكنوا من تهريب إنتاجاتهم خارج المعتقل. كما عملوا على إصدار مجلات أدبية متنوعة تُكتب منها أكثر من نسخة وتوزع بينهم، مثل: الملحق الأدبي لمجلة نفحة الثورة، ومجلتا الصمود الأدبي والهدف الأدبي الصادرتان عامي 1981 و1986 في معتقل عسقلان، ومجلة إبداع نفحة التي صدرت عن اللجنة الثقافية الوطنية في معتقل نفحة، ومجلة صدى نفحة عام 1981، بالإضافة إلى مجلة النهضة وغيرها.
كما صدر في تلك الفترة عدة روايات ودواوين ومجموعات قصصية، نذكر منها: 'أيام منسية خلف القضبان' لمحمد أبو لبن 1983، 'الطريق إلى رأس الناقورة' لحبيب هنا 1984، 'ساعات ما قبل الفجر' لمحمد عليان 1985، 'زنزانة رقم 7' لفاضل يونس 1983، وغير ذلك.
أما المرحلة الثالثة من أدب الأسرى، أو أدب الحركة الوطنية الأسيرة، فكانت في الانتفاضة، حيث تحول الإنتاج الأدبي حينها إلى مشاركة نضالية في أحداث الانتفاضة، وأولت دور النشر والمؤسسات عناية خاصة بهذه الإنتاجات، التي نذكر منها: 'فضاء الأغنيات' للمتوكل طه 1989، 'المجد ينحني لكم' لعبد الناصر صالح 1989، 'أوراق محررة' لمعاذ الحنفي 1990، وعدة دواوين أخرى.
كما صدرت قصص 'سجينة' لعزت الغزاوي 1987، 'ستطلع الشمس يا ولدي' لمنصور ثابت 1992، ورواية 'تحت السياط' لفاضل يونس 1988، و'شمس الأرض' لعلي جرادات 1989، و'رحلة في شعاب الجمجمة' لعادل عمر 1990، و'شمس في ليل النقب' لهشام عبد الرزاق 1991، و'قهر المستحيل' لعبد الحق شحادة 1992، وعشرات الأعمال الأخرى.
أما المرحلة الرابعة والأخيرة فتأخذ زمانها بعد قيام السلطة الفلسطينية، أي ما بعد اتفاقية أوسلو. هذه المرحلة حدث فيها تراجع كبير في الكتابة لدى الأسرى مقارنة بالفترات السابقة، وصدرت إنتاجات لمعتقلين محررين (في ضوء أوسلو) بعضها كُتب داخل المعتقل ونشر بعد التحرر مثل: 'قمر سجين وجدران أربعة' لمعاذ الحنفي، كتبها في معتقل نفحة 1989 ونشرها في غزة 2005، وأيضاً روايتان من الرباعية الوطنية لرأفت حمدونة كتبهما في معتقلي نفحة وبئر السبع هما 'عاشق من جنين' و'الشتات'، ورواية 'ستائر العتمة' لوليد الهودلي، التي كتبها في المعتقل، وطبع الجزء الأول منها في 8 طبعات، أي نحو 40 ألف نسخة، ولم يسبق لرواية فلسطينية من داخل السجون أن تنشر بهذا الكم، كما يقول رأفت حمدونة، فضلاً عن تحويلها إلى فيلم عام 2015. إضافة إلى الأعمال التي كتبت خارج المعتقل في تلك الفترة من قبل أسرى محررين مثل المتوكل طه، ومنصور ثابت، وسلمان جاد الله، وعائشة عودة، وهشام عبد الرزاق، وغيرهم.
بالنسبة إلى رشاد أبو شاور، فإنّ العلامة الفارقة في أدب الأسرى هي رواية 'المجموعة 778' لتوفيق فياض، وهو أسير محرر، تتحدث روايته عن المجموعة التي عُرفت برقم 778 ودوّخت الاحتلال عامَي 1968 و1969.
اهتم بعض الأسرى أيضاً بفن المسرحية في نهاية السبعينيات، وبرزت محاولات لتأليف المسرحيات القصيرة، كما كانت تمثل مسرحيات في غرف زنازين بئر السبع، من بينها 'زنبقة الدم' التي جرى تمثيلها على خشبة مسرح نصبه الأسرى من البطاطين، كما يقول سلمان جاد الله في كتابه 'أدب المواجهة، منابع أدب الحركة الأسيرة الوطنية'. وقامت الأسيرات في سجن 'نفيه تريستا' بتقديم مسرحيات عرف منها 'فدائي جريح'، كما تحولت رسائل الأسرى شيئاً فشيئاً إلى نصوص أدبية.
لم يتوقف الإنتاج الأدبي لدى الأسرى، بل يزداد ويتطور، وكما قلنا: يتجاوز في بعض الأوقات سمات أدب الأسرى.