اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٥ أيلول ٢٠٢٥
يذكر الإمام ابن الجوزي في بعض مصنفاته حادثة غريبة وقعت أثناء موسم الحج؛ إذ أقدم أعرابي على التبول في بئر زمزم أمام أنظار الحجاج، فلما جيء به إلى والي مكة وسأله عن سبب فعله الشنيع، أجاب بكل وقاحة: حتى يعرفني الناس، ويقولوا هذا الذي بال في زمزم.
أراد الرجل شهرةً بأي ثمن، ولو بفعلة مقززة تلطخ رمزًا مقدسًا.
ومنذ ذلك الحين صار مثالًا يُضرب للحمق وطلب الذكر الرديء.
هذه الحادثة، على بعدها الزمني، تكاد تختصر سلوكيات بعض الفاعلين في مشهد الحرب على غزة اليوم.. إذ يظهر 'بوَّالون جدد' لا يقلون خطورة عن ذاك الأعرابي، بل ربما يفوقونه أثرًا لما لهم من قدرة على تلويث وعي الجماهير وتخريب الصف الداخلي.
ويمكن تمييز أبرز فئاتهم في أربعة أصناف:
1. بعض المحللين في القنوات الفضائية: يقدمون أنفسهم في هيئة الخبراء، لكن كثيرًا من خطابهم ينقل رواية مغلوطة، يميع الحقائق أو يحبط الناس.. هم لا يضيفون معرفة بقدر ما يسكبون سمًّا في العقول.
2. العملاء الذين يخدمون أجندة الاحتلال: لا يتورعون عن بث الشائعات وتضليل الناس، سعيًا وراء مكاسب رخيصة أو نجاة شخصية، ولو كان الثمن دماء الأبرياء وصمود المحاصرين.
3. الحاقدون الكارهون للمقاومة: يُظهرون الشماتة عند اشتداد الأزمات، ويسعون لتشويه صورة المقاومين والتقليل من تضحياتهم، في لحظة يفترض أن تتوحد فيها الصفوف.
4. القادة محدودو البصيرة بتصريحاتهم الحمقاء: يظنون أن الظهور الإعلامي نصرٌ بحد ذاته، بينما يسيئون للوعي الجمعي بكلمات لا تراعي حجم الدماء ولا ثقل المرحلة.
القاسم المشترك بين هؤلاء جميعًا أنهم، مثل أعرابي ابن الجوزي، يسعون وراء ذكرٍ عابر أو مكسبٍ شخصي، ولو كان الثمن تلويث الوعي الجماعي وإضعاف الجبهة الداخلية.
وإذا كان التبول في زمزم فعلة منفّرة جسدت أقصى درجات الحمق، فإن ما يقوم به هؤلاء أخطر؛ لأنه يفسد الوعي، ويشكك في الثوابت، ويضعف الروح المعنوية لشعب يواجه حرب إبادة.
إن الوعي المقاوم بحاجة اليوم إلى التمييز بين 'الماء العذب' الذي يعين على الصمود، وبين 'البول الإعلامي والسياسي' الذي يسعى لتدنيسه.
فالمعركة ليست عسكرية فحسب، بل هي أيضًا معركة على المعاني والرموز، وعلى من يملك حق تفسير الأحداث وتوجيه الرأي العام.