اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شمس نيوز
نشر بتاريخ: ١ تموز ٢٠٢٥
قلم/ مصطفى اللداوي
ليس سهلاً علينا أبداً، بعد طول خبرة وعميق تجربة، ولدغاتٍ كثيرةٍ قاتلةٍ، وخداعٍ مستمرٍ يتكرر، أن نصدق عدونا ولا نكذبه، وأن نطمئن إليه ولا نخشى منه، وأن نأمن جانبه ولا نحذر منه، فقد عودنا عبر سنوات عمر كيانه على الكذب والخداع، والخبث والمكر، والتمويه والتضليل، وتغيير المواقف والانقلاب على الثوابت، ونقض الأحلاف وخرق الاتفاقيات، تماماً كعهدنا بأجدادهم القدامى وتاريخهم البعيد، الذين لا يحفظون عهداً ولا يوفون وعداً، ولا يؤدون أمانةً ولا يخلصون لنا ولا يحبون الخير لأمتنا، ولا يرقبون فينا إلاً ولا ذمة، ويتآمرون علينا ويتربصون بنا الدوائر، وينقلبون علينا متى سنحت لهم الفرص وتوفرت لهم الظروف والأسباب.
كثيرةٌ هي الإجراءات العملية التي اتخذها، والقرارات الأمنية والعسكرية التي أصدرها جيش العدو وحكومته على مستوى الجبهة الداخلية والحراك السياسي، التي يبدو من ظاهرها العام حالة الاسترخاء الأمني التي يعيشها الكيان الصهيوني، وإحساسه بنوعٍ من الطمأنينة والأمان تدفعه للتراجع عن كثيرٍ من الإجراءات والقرارات الأمنية التي سبق وأن اتخذها وتشدد فيها، بعد تراجع مستوى الأخطار الداخلية والخارجية التي كانت تهدد جبهته الداخلية، وتفرض عليه التعامل معها بحزمٍ وجديةٍ، ويبدو من التوجيهات الجديدة التي باتت تصدر يومياً أن حكومة العدو تتجه نحو استعادة الحياة الطبيعية الاعتيادية التي كان عليها كيانها قبل السابع من أكتوبر 2023، في رسالة عامة متعددة الاتجاهات أنها حيدت الأخطار، وحققت الكثير من الأهداف.
فقد أصدر جيش العدو وأجهزته الأمنية قراراتٍ تنفيذية تقضي بعودة المستوطنين إلى بلداتهم ومستوطناتهم جنوباً في قطاع غزة، وشمالاً على الحدود الشمالية لفلسطين مع لبنان، وسمح بفتح المدارس والجامعات والمعاهد العلمية، وإنهاء القيود المفروضة عليها، والتي أجبرتها على اعتماد نظام التعليم عن بعدٍ.
كما سمحت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بفتح الأماكن العامة، وحانات السهر ودور السينما والمراقص والملاهي، ووافقت على التجمعات التي تتجاوز مئات الأشخاص، دون اتخاذ أي تدابير أمنية احترازية كتلك التي كانت تحول دون اجتماعهم في الأماكن العامة.
كما سمحت للمستوطنين بحرية الحركة والتنقل بعيداً عن الملاجئ والأماكن المحصنة، ومباشرة العمل بصورة طبيعية، وأعلنت فتح الأجواء أمام الرحلات الجوية في مطار اللد ومطارات الشمال والجنوب، وأذنت لشركات السياحة بحرية العمل والسفر الداخلي، وتنظيم الأنشطة والفعاليات الفنية والترفيهية.
وعلى المستوى السياسي سيتوجه رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بعد أيامٍ قليلةٍ إلى واشنطن للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في ظل أجواء إيجابية تشي بقرب التوصل إلى صيغة اتفاق لوقف الحرب في قطاع غزة، واستعادة الأسرى الإسرائيليين والمباشرة في مفاوضات الحل النهائي، والتي سبقتها اجتماعاتٌ أمنية وعسكرية مع رئيس حكومة العدو، ولقاءات أخرى للمجلس الأمني الحكومي المصغر، لمناقشة الخطوات التالية في الأيام القادمة فيما يتعلق بقطاع غزة، أعلن خلالها قادة الجيش استيفاء الجهود العسكرية في قطاع غزة، وعدم وجود أهداف عملية تستوجب استمرار عمليات الجيش، وأنه يجب على الحكومة المباشرة في ترجمة الإنجازات العسكرية إلى مكتسبات وقرارات سياسية.
فهل يمكننا الاعتماد على هذه الإشارات والبناء عليها، والاطمئنان إلى أن العدو قد بدأ فعلياً في التفكير بالنزول عن الشجرة، والقبول بإجراءات وقف إطلاق النار، وإنهاء الحرب في غزة، خاصةً في ظل مساعي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنقاذ نتنياهو من مصيرٍ مجهولٍ ينتظره على خلفية المحاكمة التي يتعرض لها، وإسقاط التهم الموجهة إليه وإلغاء المحاكمة وضمان مستقبله السياسي، وإصراره على إعلان موقف تاريخي من واشنطن، بحضور نتنياهو ومشاركته، ينهي به الحرب العسكرية على قطاع غزة.
أم أن هذه الإجراءات والقرارات السياسية والأمنية والعسكرية، ليست إلا ذراً للرماد في العيون، ومحاولة للتعمية والتضليل، وأنها جزء من الخداع الإستراتيجي الذي يعتمده العدو ضد خصومه، ليوهمهم بالطمأنينة والاسترخاء، وإنهاء حالة الاستنفار والاستعداد، تمهيداً لضربةٍ جديدةٍ مفاجئة، تطال غزة أو لبنان، وإيران أو سوريا، وربما اليمن البعيد أو غيره.
ينبغي ألا نستبعد أي احتمالٍ، وألا نخدع أبداً بمحاولات التضليل الإسرائيلية، خاصةً زيارة نتنياهو المرتقبة إلى واشنطن، التي تذكرنا بزيارته إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي لم تكن إلا للتغطية على عملية اغتيال السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله، فهي قد تكون غطاءً لأمرٍ ما، وقد يكون الأمر جللاً وكبيراً وعلى مستوى عالٍ تشارك فيه الولايات المتحدة الأمريكية، التي أعلنت يوم أمس الموافقة على تزويد الكيان بصفة أسلحة ومعداتٍ متطورة جداً، وصواريخ دقيقة وقنابل ثقيلة، وأخرى مخصصة للتحصينات وضرب الأعماق.
لعله من الخطأ الجسيم والسفه الكبير أن نصدق العدو، وأن نصغي السمع لحواراته الداخلية التي يتعمد كشفها، وخلافاته البينية التي يقصد تسليط الضوء عليها، فهذا العدو يعتمد دائماً على الضربة الأولى المفاجئة والصادمة، التي أحسن تنفيذها مراراً، ما يفرض علينا اليقظة التامة والاستعداد الدائم، وأن نأخذ حذرنا منه، وأن نبقي أيدينا على الزناد، وألا نتخلى عن أسلحتنا، وألا نكتفي من العدوان بالرد عليه، بل نعمل على إحباطه وإفشاله قبل أن يبدأ، ودفعه لعض أصابعه ندماً إن بدأ.