اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣٠ حزيران ٢٠٢٥
ليلة السابع من يونيو الجاري كانت نقطة تحول مأساوية في حياة أسرة الجعب، التي انقلبت حياتها رأسًا على عقب. من خيمة تضج بضحكات طفليها رغم مرارة النزوح، إلى خيمة تملؤها صرخات الألم والاستغاثة لإنقاذ ما تبقى من أفرادها قبل فوات الأوان.
في نزوحها الرابع على التوالي، استقرت أسرة سليمان الجعب من مدينة رفح في مواصي خانيونس، وهي تستعد لاستقبال مولودها الثالث. إلا أن قصفًا إسرائيليًا غادرًا بجوار خيمتهم حول لحظات الانتظار إلى مأساة دامية، أسفر عن استشهاد ابنة عمهم ليان ياسر الجعب (13 عامًا)، وترك بقية الأسرة بين الألم والإصابات.
نجا سليمان وحده جسديًا، لكنه يحمل ندوبًا نفسية لا تندمل، بعدما أصيب طفلاه بإعاقات بالغة تهدد مستقبلهما. فابنه مهند (3 أعوام) أصبح قعيدًا بعد أن أصيب بشلل في نصفه الأيمن، وهو الذي لم يكن يتوقف عن الحركة إلا حين يغفو.
أما شقيقه الأصغر مالك (عامان)، فقد فقد بصره بالكامل، وفقد معه القدرة على النطق. اختفت من شفتيه كلمة 'بابا'، وحلّ محلها موجات من العصبية والصراخ، تعكس صراعاته الداخلية التي لا يعرف كيف يعبر عنها.
تفاقم الألم أكثر مع إصابة الزوجة صفاء، الحامل في شهرها التاسع، بشظايا في الرأس والظهر واليد. ورغم خطورة وضعها، لم يقدم لها الأطباء أي علاج خشية التأثير على الجنين، لتبقى تعاني من نزيف متكرر مع أي حركة، ما يجعلها عاجزة عن رعاية طفليها المصابين أو تلبية احتياجاتهم.
العلاج.. مهمة مستحيلة في غزة المنكوبة
تتحطم آمال سليمان على صخرة الواقع الصحي المنهار في قطاع غزة تحت وطأة العدوان المستمر. يحتاج مالك إلى صورة رنين مغناطيسي لتحديد حجم الضرر الذي لحق بعينيه، لكن الجهاز الوحيد متوفر في المستشفى الأوروبي المحاصر حاليًا من قبل قوات الاحتلال.
فيما يحتاج مهند إلى جلسات علاج طبيعي كان من المفترض أن يتلقاها في مستشفى الأمل التابع للهلال الأحمر في خانيونس، لكن المنطقة مصنفة حاليًا كـ'منطقة حمراء' ومخلاة من السكان، مما يجعل الوصول إليها مستحيلًا.
يقول سليمان بأسى لـ 'فلسطين أون لاين': 'حتى الأدوية البسيطة التي يحتاجانها لحماية الأعصاب من التلف أو لتخفيف موجات العصبية، لم تعد متوفرة في مستشفى ناصر. بالكاد أعثر عليها في الصيدليات، لكن بأسعار تفوق القدرة. شريط الدواء الذي كان قبل الحرب بعشرين شيكلاً، أصبح اليوم بمئة شيكل أو أكثر. إنها أعباء لا تُحتمل.'
ولا يقتصر الأمر على الدواء؛ إذ يضيف: 'مالك لا يتقبل الحليب الصناعي دون سكر، لكن سعر كيلو السكر تجاوز 100 دولار، وهو مبلغ خارج إمكانياتي تمامًا. أما مهند، فقد ملّ من وجبة 'الدقة'، وصار يرفض تناولها، ويمضي ليله جائعًا.'
أسئلة موجعة.. وأمل يتلاشى
وسط هذا الواقع القاسي، يقف سليمان عاجزًا أمام أسئلة طفله مهند التي تمزق القلب: 'ليش بطلت ألعب؟ ليش صار فيا هيك؟ ليش ولاد عمي بلعبوا وأنا لا؟ بدي ألعب بالكورة...'
لا يطلب سليمان الكثير. كل ما يريده هو أن تتدخل المنظمات الإنسانية والصحية بشكل عاجل لإجلاء زوجته وأطفاله للعلاج خارج قطاع غزة، قبل أن يتدهور وضعهم أكثر، وتصبح أي محاولة للعلاج بلا جدوى.