رمزي عودة: اتفاق وقف إطلاق النار بداية لمرحلة جديدة في الشرق الأوسط

رمزي عودة: ترامب يسعى لسلام “مستدام” يعيد الهيبة لأمريكا في الشرق الأوسط

بيت لحم 2000 -أكّد الأمين العام للحملة الأكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والفصل العنصري، الدكتور رمزي عودة، أن اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، الذي أُعلن عنه عقب مبادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وحركة حماس، يشكّل المرحلة الأولى من خطة أوسع لتحقيق سلام دائم في المنطقة، وليس مجرد هدنة مؤقتة كما يعتقد البعض.

وقال عودة فيحديث خلال 'جولة الظهيرة' مع الزميلة سارة رزق، والتي تبث عبر أثير راديو 'بيت لحم 2000':إنّ الوثائق المسرّبة من مبادرة ترامب تشير إلى أن الاتفاق لا يقتصر على تبادل الأسرى أو وقف إطلاق النار، بل يتناول خطوات لاحقة تتعلق بترتيبات أمنية وسياسية شاملة، موضحًا أن الرئيس الأمريكي وصف الاتفاق بأنه “الخطوة الأولى نحو سلام دائم وقوي ومستدام في الشرق الأوسط”.

وأوضح عودة أن المرحلة الأولى من الاتفاق تشمل انسحابًا إسرائيليًا جزئيًا من بعض خطوط التماس مع المدنيين الفلسطينيين، وبدء تبادل الأسرى، بما في ذلك الإفراج عن نحو 2035 أسيرًا فلسطينيًا، معظمهم من قطاع غزة، مشيرًا إلى وجود بعض الإشكاليات حول أسماء محددة يجري البت فيها داخل الحكومة الإسرائيلية.

وأشار إلى أنه من المتوقع توقيع الاتفاق النهائي في القاهرة ظهر اليوم، على أن يدخل وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد الظهر، فيما يعقد الكابينيت الإسرائيلي اجتماعًا للمصادقة عليه، يعقبه اجتماع للحكومة، على أن يتم الانسحاب الإسرائيلي التدريجي خلال 24 ساعة من المناطق التي تم التفاهم حولها، دون أن يشمل الانسحاب الكامل من القطاع في هذه المرحلة.

عوامل القبول بوقف النار

وفي معرض تحليله لأسباب قبول الأطراف بالاتفاق بعد عامين من الحرب، قال عودة إنّ حركة حماس رأت في الصفقة فرصة لتثبيت حضورها السياسي في المشهد الفلسطيني بعد العدوان، فيما كان الاحتلال الإسرائيلي يسعى لتصفية الحركة أو إخراجها من المعادلة السياسية بدعم أمريكي، إلا أنّ المعادلات الميدانية والتوازنات الإقليمية أجبرت الطرفين على التراجع.

وأضاف أنّ من العوامل الحاسمة التي دفعت حماس إلى القبول بالاتفاق الخشية من مخطط تهجير سكان غزة إلى الخارج، وهو ما وصفه بأنه “التهديد الأخطر” على القضية الفلسطينية، مؤكدًا أن هذه المخاوف، إلى جانب تراجع الدعم الإيراني بسبب الضربات الإسرائيلية على حلفاء طهران في لبنان واليمن، جعلت الحركة أكثر ميلاً للتهدئة.

وفي المقابل، أوضح عودة أن حكومة الاحتلال كانت تسعى لتحقيق أهداف تتجاوز غزة نحو إعادة الاستيطان في شمال القطاع وفرض وقائع جديدة، لكنّ الولايات المتحدة تدخلت بقوة لإيقاف هذا المسار، بعدما رأت أن استمرار الحرب يضرّ بمصالحها وصورتها العالمية. وأضاف أن “واشنطن أدركت أن إسرائيل فقدت قدرتها على تحقيق إنجاز عسكري أو سياسي، وأن الحرب تحولت إلى عملية تدمير وقتل بلا هدف”.

الموقف الأمريكي

وحول الموقف الأمريكي من هذا التطور، قال عودة إنّ سياسة واشنطن لم تتغير جذريًا، فهي لا تزال ترى في 'إسرائيل' حليفها الاستراتيجي الأول، إلا أن النهج الأمريكي بات أكثر براغماتية، موضحًا أن إدارة ترامب “تسعى إلى استعادة هيبتها في المنطقة والظهور بمظهر القائد العالمي القادر على فرض حلول سياسية”.

الدور الإقليمي في إنجاح الاتفاق

وفي حديثه عن دور الوسطات الإقليمية، شدّد عودة على أن مصر لعبت الدور المحوري في التوصل إلى الاتفاق، لافتًا إلى أن القاهرة “أدركت أن رفض حماس للصفقة كان سيؤدي إلى كارثة تهجير جماعي للفلسطينيين، ما يشكل خطرًا مباشرًا على الأمن القومي المصري”.

وأضاف أن الجهود المصرية ترافقت مع تحركات قطرية وتركية مكثفة، حيث أرسلت القاهرة وفدًا من المخابرات إلى الدوحة وواشنطن، وعُقدت لقاءات موسعة في شرم الشيخ بحضور مسؤولين أتراك وصينيين. وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي “ثمّن مواقف هذه الدول، وعلى رأسها مصر وقطر والسعودية والأردن”، التي رأت أن استمرار الحرب “قد يشعل المنطقة بأكملها”.

إمكانية الالتزام بوقف النار

ورداً على سؤال حول احتمال خرق الاتفاق، قال عودة إنّ “الخرقات تحدث دائمًا وغالبًا من الجانب الإسرائيلي، الذي يفسّر أي تحرك داخل القطاع كعمل عدائي”، لكنه أشار إلى أن الأطراف كافة حريصة على إنجاح المرحلة الأولى لأنها تمهّد للانتقال إلى مراحل أكثر عمقًا في العملية السياسية.

وبيّن أن 'إسرائيل' رغم تحفظها على بعض تفاصيل الخطة، إلا أنها لم تستطع رفضها بالكامل نظرًا للضغوط الأمريكية المباشرة، مضيفًا أن ترامب “يبحث عن إنجاز سياسي ضخم يعزز صورته الدولية وربما يطمح إلى جائزة نوبل للسلام”.

ضمانات التنفيذ

وفيما يتعلق بالضمانات الفعلية لنجاح الاتفاق، أوضح عودة أن الضمان الأمريكي هو الأكثر تأثيرًا حاليًا، لكنه شدد على أن “الضمان الحقيقي يتمثل في إعادة إعمار غزة وتحسين الظروف المعيشية للفلسطينيين”، مشيرًا إلى أن أكثر من 2.3 مليون فلسطيني يعيشون في أوضاع إنسانية كارثية بعد عامين من الحرب، وأن “تحقيق الاستقرار مرتبط بإعادة بناء الاقتصاد والمنازل وتوفير فرص عمل ومساعدات دائمة لا مؤقتة”.

واختتم عودة حديثه بالقول: “المرحلة المقبلة يجب أن تكون مرحلة التعافي الفلسطيني وإعادة الإعمار، لأن أي تهدئة دون تحسين حياة الناس ستبقى هشّة وقابلة للانفجار مجددًا”.