اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٦ أب ٢٠٢٥
هالة نهرا
صدرت حديثاً رواية «جمّول - معتقل الخيام» لمنصور أبو شقرا عن دار «فواصل للنشر» في بيروت.
يوضح المؤلّف أبو شقرا أنّ هذه الرواية كُتبت في العام 1989 أي في عزّ الحرب الأهلية والصراع الطبقي والإيديولوجي وصراع الأحزاب في لبنان والعالم العربي، من طفولة «جمول» ومواكبته نضال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية... ويشير الناشر في كلمته إلى أنّ جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية اكتنزت مشاعر مرحلة السبعينات والثمانينات ومنحت مفهوم المقاومة بُعداً وطنياً متسقاً مع نهج مدني علماني عارم بالشغف والانتماء إلى الوطن والأرض والشعب، بعيداً عن حسابات مذهبية أو مناطقية ضيّقة... كما يذكر الناشر أنّ منصور أبو شقرا في روايته «معتقل الخيام» هو «جمّول» المناضل والشاعر والروائي، وقد أدخلنا في تاريخ أهمّ مرحلة من مراحل الحرب في لبنان، وعليه، بشفافية بالغة، وحبكة صادمة، جعلتنا ندرك أنّ الذاكرة موجعة وصوتها صارخ.
رواية أبو شقرا القيّمة تشفّ بطبيعة الحال عن هويته وقناعاته وثقافته المتجذّرة.
المؤلّف اليساري يشرح في روايته أنّ الحرب الأهلية الطائفية المقيتة بدأت بين أحزاب اليمين اللبناني ومعاونيهم والسلطة العسكرية للنظام من جهة، وبين الفئات والقوى المعارضة اليسارية الساعية إلى التغيير من أجل نظام عدلٍ ومساواة من جهة أخرى.
يستعيد القارئ التاريخ في سطور أبو شقرا الذي يشرح أنّ الحركة الوطنية كانت تدكّ آخر معقل لخصومها في العام 1976، لولا الظروف الدولية التي حالت دون ذلك وأدّت في مجراها إلى اغتيال قائد الحركة الوطنية المعلّم الشهيد الكبير كمال جنبلاط.
يعيدنا المؤلف إلى أجواء الحرب والمعاناة الكبيرة والألم فيها و«تنّينها المستيقظ ليقتل فجر السلام والجمال والطمأنينة».
رواية أبو شقرا التي واءمت بين التشويق والإثارة والتكثيف والوضوح في السرد الغنيّ والبساطة والبحث والحفر، نقّبت في الذاكرة وأضاءت على نشاط المقاومة وعملياتها الفدائية وكيفية تحوُّلها «إلى ثورة نفسية عصفت في قلوب الشباب والأهل والناشئة على اختلاف معتقداتهم وانتماءاتهم، ما حفّزهم على الصمود والتحدّي». واستحضرت معتقل «أنصار»، ومُعتَقَلي «الخْيام» وبطولات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في مجابهة المحتلّ، والانسحاب الإسرائيلي وتحرير الجزء الكبير من الجبل، إلخ.
واللافت في الصفحة 69 بيان الإعلان عن ولادة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية الذي يذكر أبناء بيروت البطلة وأبناء الشعب اللبناني العظيم في الجنوب والجبل والبقاع والشمال والمقاتلين الوطنيين الشجعان.
وفي هذا الإطار لا بدّ من الاستعانة بما جاء في كلمة الناشر أنّ منصور أبو شقرا يحيل النص من الكلام المباشر إلى الأدب الفني، يصهرهما معاً، حتى تبدأ رحلة التساؤلات عمّا كُنا فيه، وما نحن عليه الآن...
يذكر المؤلّف في الصفحة 90 الشاعر الوطني خليل حاوي الذي «أحرق نفسه احتجاجاً على تدنيس الغزاة لعاصمته المقدّسة»، فاشتعل قلب «جمّول» إيماناً بالحقيقة، «بالنضال حتى الموت في سبيل الحرّية». كما يذكر في الصفحة 233 لوحات البطولة والفداء التي لوّنتها دماء حسن قصير، ولولا عبّود، وسناء محيدلي، ووجدي الصايغ، ووفاء نور الدين، ومالك وهبي، وخالد الأزرق، وابتسام حرب، وجمال ساطي، ونزيه قبرصلي، وسليم ضو، ويسار مروة، ونضال الحسنية، وبلال فحص...
من أهداف الرواية تعريف الآخر والمتلقّي والجيل الجديد الصاعد بجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية حتى لا يتم تحريف وتزوير التاريخ أو مصادرته في بلدٍ يعاني من ثقوبٍ وفجواتٍ في الذاكرة، ومن محاولات طمس الحقائق والذاكرة.
نسج أبو شقرا عملاً روائياً متماسكاً يشتمل على موقفٍ علنيّ جليّ، ويتّسم بالغزارة ويصطبغ بالوطنية.
اختار منصور أبو شقرا التعبير من خلال الأدب الملتزم في روايته «جمول - معتقل الخيام»، كما اختار إطلاقها عبر دار «فواصل للنشر»، ليعيد الاعتبار للقضية والمعنى، إن لم نقُل لطبقاتٍ من المدلولات والرؤى العميقة، وللأثر والسياق التاريخي روائياً في زمنٍ شائكٍ مختلف.