طاق آل ناصر الدين في (قصائد ضاحكة 2) شعر «الإخوانيات» في تجلّيه

يبقى الخيال ذلك المدى الذي يغريك للرحيل إليه كلما تاقت نفسك إلى التحليق في فضاءات مترعة بصورٍ ومعانٍ تجعلك تنطلق معبّراً عن مكنونات ذاتك بأساليب تأتي بتلقائية في احتفالية تدفقات عبارات تفاجئك بعد أن تصبح نصوصاً.. بأنك أنت من نسجتها.. هو الشاعر في ابداعاته التي لا تنتهي.. وهي تلك القصائد الضاحكة التي نظّمها الشاعر تعبيراً عن مكنوناته تجاه أحداث وأشخاص وآمالٍ وآلام... كتب يقول: «بكيت، عاتبني دمعي على ألمي... ضحكت، أضحكت زاد الحبُّ في قلمي... لن يهزم الموت أحبابي وإن رحلوا.. ما دام لي قلمٌ حرٌّ ولي حلمي [...]».

تناوبت على تلك القصائد الضاحكة مشاعر الألم.. والأمل.. فكانت هناك مجموعته دموع ضاحكة... هاجم فيها أعداء الحياة من صهاينة ومستبدين, ساكباً دموعه معانٍ وعبارات على ضحاياهم .. ويذكّرهم أن لا جريمة بلا عقاب.. قائلاً «محكمة... وانتصب الميزان.. التاريخ يحاكم، يحكم كل طغاة الأرض بلا استئذان [....]»، وهكذا جاء ت في ركب تلك المجموعة من القصائد ما وسمه بـ«الإخوانيات» وهي كما يشير بمثابة استمرار لمداعبة المبدعين من رفاق عمره... وشعاره «أنا لا أداعب إلّا من أحبّ... والدعابة على قدر المحبة [...]»، وهناك قصيدة لطيفة تسري فيها روح الدعابة؛ حيث وكما يشير أنّ صديقه عصام العبدلله الذي سافر إلى قطر يطلب منه وبعد عودته أن يكتب له تقريراً حول عما قاله الرفاق في غيابه... فكتب يقول:

«إلى الهيجا سارع يا حصاني... وبادر بالضرب وبالطعان

وكل صحابك الشعراء خلفي... فلا أحدٌ سيمسك لي عناني

إلى قطرٍ رحلت بلا نزوعٍ... وأشعلت الحريق وكم تعاني

فخذ ما قاله الشعراء همساً... ووتوتةً علت فوق الدخان

أخي ناجي رآك بلا رجوعٍ... فبال على الدواة بلا تواني

........

أشارك كل طعّانٍ بسيفي... ويرفد كلَّ هجّاءٍ بياني

وأبكي يوم سفك دماك لكن... أشاركهم في تعبئة القناني

فعفوك يا ابن عمي أنت قلبي... ولكنّ المصيبة في لساني»

وكتب في مداعبة صديقه الروائيّ إلياس عطروني:

«والياسٌ بلا شكٍّ أديبٌ... وروائيٌّ طليعيُ الحوافز

وكان شبابه المغدور سعياً... لصيد العزّ لا صيد الجوائز

ومرّ العمر إمّا في قتالٍ... وإمّا في مسايرة العجائز

وحين أراد إرضاء الصبايا... صار «الأفندي» غير جاهز»

وتبهت الضحكة مع دمعة بيروت التي رقبها الشاعر هامسةً في شعره مأساتها... قصيدةَ «انتحار مدينة (بيروت)»:

«تصرخ لا يسمعها أحدٌ من عشاق الصوت..

وتكاد تموت يخاف ويهرب منها الموت..

تعبوا من قتل بنيها..

تعبوا من حفر مقابر ماضيها..

نرجسة القباني، تفاحة درويشٍ.. صارت عند البائع رزمة فجلٍ..

غادرها الفقراء وخان قوافيها الشعراء..

وجاعت لم يطعمها ألمٌ..

وتعرَّت لم يستر عورتها قلمٌ..

أكلت بعض مقاهيها لم تشبع..

أكلت أجمل ماضيها لم تشبع..

صامت صلَّت من غير ركوعٍ..

هل يقبل توبتها لله؟

ومرَّ الزمنُ

ما أسهل أن ينتحر العشّاقُ

وما أصعب أن تنتحر المدن..»

(الكتاب صادر عن دار زمكان ويقع في 95 صفحة من القطع الوسط)

ضحى الخطيب