اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الأنباء
نشر بتاريخ: ٢٢ أيلول ٢٠٢٥
بيروت - أحمد منصور
لايزال لبنان تحت تأثير تداعيات وتأثيرات انحباس تساقط الأمطار والثلوج في فصل الشتاء الماضي، والتي أدت الى تراجع مخزون المياه الجوفية وجفاف العديد من الينابيع والأنهار والآبار الارتوازية. وكان لبحيرة القرعون في البقاع الغربي، نصيب كبير من هذا الجفاف، وهي التي تعتبر أكبر البحيرات الاصطناعية في لبنان.
وكانت أنشئت البحيرة عند سد القرعون على نهر الليطاني عام 1959، وتبلغ سعتها حوالي 220 مليون متر مكعب، حيث يقدر مخزونها المائي حاليا بنحو 48.4 مليون متر مكعب. وتستعمل مياه البحيرة التي تختزنها في توليد الطاقة الكهربائية في معامل مركبا والأولي وجون التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وفي ري ما يزيد على 1400 هكتار من أراضي سهل البقاع الزراعية، وحوالي 36 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في جنوب لبنان.
إزاء هذا الواقع المرير والأزمة المتفاقمة، شرح المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني د. سامي علوية لـ «الأنباء» التأثيرات السلبية لهذا الجفاف على جملة من القطاعات. وتحدث عن الخطط البديلة لمواجهة الأزمة والمؤشرات المستقبلية.
وقال: «وفقا لأحدث قياسات المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بلغ مستوى ارتفاع مياه بحيرة القرعون في 19 سبتمبر 2025 حوالي 837.08 مترا فوق سطح البحر، ويقدر المخزون المائي بنحو 48.4 مليون متر مكعب، بينما مازال تصريف نهر الليطاني إلى الحوض الأدنى صفرا، وكذلك كمية المياه المعنفة (أي التي تحول الى عنفات انتاج الطاقة في المولدات الكهرومائية) في معمل عبدالعال، ما يعكس جفافا غير مسبوق. حتى بداية أغسطس 2025 كانت مؤشرات المصلحة تظهر انخفاضا تاريخيا، فقد سجل مستوى المياه 838.82 مترا مع مخزون 57.264 مليون متر مكعب، فيما بلغ المستوى في 31 أسطس 2025،837.76 مترا، والمخزون 51.8 مليون متر مكعب».
وأشار علوية الى انه «يرافق هذا الجفاف سلسلة تأثيرات خطيرة على القطاعات المحلية، ومنها أولا على الأمن الزراعي، حيث يهدد انخفاض المنسوب آلاف الهكتارات التي تروى من المصادر الصالحة التي ترفد البحيرة والتي بدورها تعرضت للجفاف، ويقيد زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك المائي العالي».
وتابع: «ثانيا، هناك تأثيرات سلبية على الطاقة الكهرومائية، والتي تتسبب بتوقف تشغيل (مؤقتا) معامل ابراهيم عبدالعال وبول أرقش وشارل حلو. وهذا يعني أن مياه البحيرة تستخدم فقط لدعم شبكة الكهرباء خلال الانقطاع الكامل، ما يهدد استمرار إنتاج الطاقة النظيفة. وثالثا الاقتصاد المحلي، إذ إن انحسار المياه يعطل حركة الصيد والسياحة البيئية، ويضاعف احتجاجات السكان من شح المياه والطاقة».
وأكد علوية «أن الخطط البديلة لمواجهة الأزمة على الرغم من قتامة الواقع، دفعت المصلحة الى اعتماد خطة طوارئ تستند إلى محورين: أولا إدارة الطلب وترشيد الاستهلاك. ويشمل ذلك إعطاء الأولوية لمياه الشرب والاحتياجات الأساسية، وتقنين مياه الري وإدخال نظم ري حديثة مثل الري بالتنقيط، ومنع السحب غير القانوني من النهر. كما يتم العمل على تحديد زراعة المحاصيل الاستراتيجية وتقليل المحاصيل الشرهة للمياه».
وثانيا: تحسين البنية التحتية ومعالجة التلوث من قبل الشركاء المعنيين (مؤسسات المياه ومجلس الانماء والاعمار، بالتعاون مع وزارة الطاقة): وتتضمن الخطة إعادة تأهيل القنوات والمحطات لمنع التسرب والهدر، وإنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي ومراقبة مصادر التلوث الصناعي والزراعي. كما يجري ضبط الهدر غير الفني، أي التعدي على شبكة الكهرباء لتخفيف الضغط على المعامل الكهرومائية.
ثالثا: إعلان حالة طوارئ مائية وطنية، حيث تسعى المصلحة إلى التعاون مع الوزارات المعنية لإقرار قوانين واصدر مراسيم، تعطي الأولوية لإدارة الموارد المائية وتطبيق الأنظمة بحزم، بالإضافة إلى إطلاق مشاريع حصاد مياه الأمطار والآبار الجوفية وتشجيع التوعية المجتمعية.
وتحدث عن مؤشرات مستقبلية ونظرة إيجابية، قال: «على الرغم من التراجع الحاد، هناك مؤشرات تحمل الأمل. فالخبراء يتوقعون أن تسهم أمطار الشتاء وتحسين الإدارة في رفع المخزون».
وأكد «أن الوصول إلى الحد الأدنى الآمن للمخزون – أي نحو 30 مليون متر مكعب – يستدعي التسريع في تنفيذ الخطة الطارئة. ونجاح هذه الإجراءات سيعيد البحيرة إلى دورها كمصدر للحياة والطاقة، وسيحول أزمة الجفاف الحالية إلى فرصة لإصلاح طويل الأمد، وفتح الباب أمام مشاريع السياحة البيئية والبحث العلمي».
وختم «الأمل يبقى في أن تتحول هذه الخطة إلى واقع مدعوم بإرادة سياسية ومشاركة مجتمعية، ليعود نهر الليطاني وبحيرة القرعون شريانا نابضا بالحياة لأجيال مقبلة، وهذا ما يوليه رئيس الحكومة نواف سلام شخصيا اهتماما خاصا من خلال عقد اجتماعات مكثفة ودورية للهيئة الوطنية لقطاع المياه، ومتابعة اصدار المراسيم التطبيقية لقانون المياه».
بدوره، أقال رئيس بلدية القرعون خالد البيراني لـ «الأنباء»: «جفاف البحيرة انعكس سلبا على انتاج المعامل الكهرومائية التي تزود البقاع الغربي ومناطق أخرى بالتيار الكهربائي، ووصلت التغذية بالتيار الكهربائي الى 12 ساعة بعد ان كانت 20 ساعة باليوم».
ولفت البيراني الى انعكاسات سلبية على تشغيل الآبار الارتوازية، التي تتوقف عن الضخ نتيجة انقطاع التيار الكهربائي. وأشار الى انه بفعل ذلك لجأنا الى مشروع الطاقة البديلة، حيث قدم لنا أحد المتبرعين منظومة الطاقة الشمسية للآبار حتى نتمكن من تأمين المياه للأهالي.
وقال رئيس البلدية ان المزارعين لا يستخدمون مياه البحيرة لري المزروعات، وان الكمية المتبقية تستخدم فقط «لتقليع» المعامل الكهرومائية، متمنيا ان يحمل فصل الشتاء الأمطار الغزيرة لتعويض الجفاف.