اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢١ شباط ٢٠٢٥
لطالما كان الواقع السنّي في لبنان عنواناً للضعف والتراجع خلال السنوات الأخيرة، بعدما تفككت زعاماته، وتبعثرت قراراته، وسُحِبَت منه أدوات القوة التي كانت تجعله رقماً صعباً في المعادلة الداخلية.
لم يكن الأمر مجرّد تراجع سياسي، بل بدا وكأن السنّة باتوا خارج دائرة الفعل، فيما تحوّل بعض ممثليهم إلى بيادق داخل لعبة تدار من قبل قوى أخرى، وعلى رأسها 'حزب الله'. وما زاد من قتامة المشهد هو ظنّ البعض أن المملكة العربية السعودية انكفأت عن دعم السنّة، وسمحت بملء الفراغ السنّي من قبل قوى تسعى إلى تكريس التبعية والرضوخ كأمر واقع.
لم تكن هذه النتيجة وليدة الصدفة، بل جاءت بعد محطات مفصلية، كان أبرزها فرض حكومة حسّان دياب عام 2020 كأول حكومة بلا غطاء سنّي شرعيّ، في سابقة أراد من خلالها 'الحزب' تكريس فكرة أنّ الموقع السنّي الأول في الدولة يمكن أن يكون مجرّد تفصيل في مشروعه السياسي.
وسبق هذه المحطة مراحل أخرى من التهميش، أبرزها وضع العصي في دواليب التشكيلات الحكومية للرئيس سعد الحريري، وصولاً إلى انتخابات 2022 التي كشفت مدى التشرذم السنّي، حيث توزّعت المقاعد بين شخصيات غير قادرة على تشكيل كتلة ضغط حقيقية، ما جعل الصوت السنّي مشرذماً وغير قادر على التأثير في المعادلة الداخلية.
ولأن التحولات السياسية لا تثبت على حال، وبعد طول انتظار، جاء تعيين نواف سلام رئيساً للحكومة ليعيد رسم المشهد من جديد. مشهد أرادت منه المملكة العربية السعودية تأكيد عدم تخلّيها عن لبنان عموماً والسنّة خصوصاً. بل انتظرت الفرصة المناسبة لإعادة الاعتبار لموقعهم الاستراتيجي في المعادلة اللبنانية، من خلال دعمها لترشيح نواف سلام. وأعادت الرياض تأكيد دورها كمؤثّر رئيسي في الحفاظ على موقع رئاسة الحكومة السنّي، وفرضت معادلة جديدة تضمن استقلال القرار السنّي بعيداً عن هيمنة 'حزب الله'.
لم يكن اختيار نواف سلام عابراً، ولم يكن وليد توازنات داخلية فرضها الأمر الواقع، بل جاء كضربة سياسية مدروسة قطعت الطريق أمام محاولات إبقاء السنّة في موقع التابع المنقاد. وللمرة الأولى منذ سنوات، خرج القرار الحكومي السنّي من دائرة التأثير المباشر لـ 'حزب الله'، وعادت السعودية لتضع بصمتها على المعادلة الداخلية، لا عبر تقديم تنازلات، بل عبر فرض واقع جديد.